المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

597

وطبعاً المقصود بكلّ ما قلناه من خروج الأظهر والظاهر، أو العامّ والخاصّ ونحو ذلك عن التعارض هو خروجه عن ميزان وقوع التنافي في مدلولي دليل الحجّيّة العامّ. وأمّا ميزان دخول الروايتين تحت دليل الحجّيّة الخاصّ وهي الأخبار العلاجيّة، فهذا ما سوف يتكلّم عنه بعد ذلك إن شاء الله.

وعلى أيّ حال فالكلام في الأظهر والظاهر ـ أيضاً ـ يقع في مقامين:

المقام الأوّل: فيما إذا اتّصل أحدهما بالآخر، وعندئذ يهدم الأظهر ظهور الظاهر لإحدى نكتتين:

1 ـ أن يقع تزاحم في مقام التأثير بين مقتضي الظهور التصوّري في تعيين الصورة النهائيّة التي ستستقرّ في النفس، مثاله قولنا: (رأيت أسداً يرمي) حيث إنّ كلمة (أسد) تقتضي إعطاء صورة الحيوان المفترس للذهن، ولا ينصرف الذهن منها إلى الرجل الشجاع لولا نكتة تقتضي صرفه، وكلمة (يرمي) تقتضي إعطاء صورة الرمي بالنبل، ولا ينصرف الذهن منها إلى الرمي بالبصر إلاّ بنكتة، ولكنّ التحفّظ على استقرار كلتا الصورتين يؤدّي إلى انصراف الذهن إلى حيوان مفترس يرمي بالنبل، ولكنّ هذه الصورة غريبة على النفس، فالنفس تنصرف عنها ولا تقبلها، فيجب: إمّا أن تتّجه نحو صورة رجل شجاع يرمي بالنبل أو نحو صورة حيوان مفترس يرمي بالبصر، وهنا يقع التزاحم بين تأثير المقتضي الموجود في كلمة (أسد) والمقتضي الموجود في كلمة (يرمي) حيث إنّ الأوّل يقتضي استقرار صورة الحيوان المفترس، والثاني يقتضي استقرار صورة الرمي بالنبل، ولا يجتمعان. وطبعاً في مقام التأثير التكويني يغلب ما هو الأقوى تأثيراً، وهذا يستوجب تقديم الأظهر على الظاهر.

2 ـ أن لا يكون تزاحم في مقام التأثير بين مقتضي الظهور التصوّري، فيؤثّر كلّ منهما أثره، كما لو قال: (أكرم العلماء ولا بأس بترك إكرامهم) فإنّ الذهن لا يصعب عليه أن يتصوّر صورة وجوب إكرام العلماء، ويتصوّر في نفس الوقت صورة عدم وجوب إكرامهم(1)، وإنّما التزاحم في التصديق بإرادة المتكلّم هذين المعنيين؛ لحكم العقل بأنّه لا يريد كليهما لما بينهما من التناقض، وعندئذ ينعقد الظهور التصديقي على طبق ما يكون ظهوره التصوّري أقوى، ونكتة ذلك أنّ غلبة مطابقة المراد للمدلول التصوّري تشتدّ باشتداد الظهور في المدلول


(1) بل هذا يؤدّي إلى تصوّر وجود المتناقضين، وهي صورة غريبة على الذهن كما هو الحال تماماً في تصوّر صورة حيوان مفترس يرمي بالنبل في المثال الأوّل.