المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

610

ولو فرض أنّ تلك النكتة تقتضي بلحاظ ارتكاز العقلاء التخيير انعقد لدليل الحجّيّة ظهور في التخيير، ولو مع فرض القول بأنّه لولا الارتكاز لكان مقتضى القاعدة شيئاً آخر.

ولو فرض أنّها تقتضي التساقط سقطت دلالة دليل الحجّيّة العامّ عند التعارض حتّى مع فرض القول بخلاف ذلك لولا الارتكاز، لما عرفت من ظهور دليل الحجّيّة في إمضاء نفس الارتكاز العقلائي.

نعم، لو فرض أنّ ارتكاز العقلاء حياديّ تجاه هذا النقطة، وأنّهم يختلفون في ما بينهم في الاتّجاه الذي يتّخذونه تجاه خبرين متعارضين مثلا، فعندئذ تصل النوبة إلى إعمال القواعد اللغوية في فهم ما هي الوظيفة من دليل الحجّيّة العامّ بغضّ النظر عن تدخل الارتكاز.

والذي اشتهر بينهم هو أنّ مقتضى القاعدة هو التساقط.

والدليل على ذلك حسب ما ذكره السيّد الاُستاذ(رحمه الله)(1)، واعتمد عليه هو أنّه إنّ اُريد إثبات حجّيّة كليهما بدليل الحجّيّة لم يمكن للتعارض. وان اُريد اثبات حجّيّة أحدهما المعيّن فقط كان ترجيحاً بلا مرجّح. وإن اُريد إثبات حجّيّة كلّ واحد منهما عند عدم الأخذ بالآخر، أي: عند عدم الموافقة الالتزامية والبناء على الآخر، لزم حجّيّة كليهما لو لم يلتزم بشيء منهما. وإن اُريد إثبات حجّيّة كلّ واحد منهما عندالأخذ والالتزام به فهذا وإن كان معقولا بلحاظ الأخبار العلاجية لكنّه ليس معقولاً بلحاظ دليل الحجّيّة العامّ؛ إذ يلزم منه أنّه لو لم يأخذ بشيء منهما لم يكن شيء منهما حجّة عليه، فهذه حجّيّة أمرها بيد المكلف، وهذا كما ترى يخالف السَير الفقهي وعمل الفقهاء قاطبة، وهذا بخلاف الأخبار العلاجية التي تقول: (خذ بأحدهما)، فإنّ تلك الأخبار تدلّ على وجوب الأخذ بأحدهما، وعلى أنّ ما يأخذه يكون حجّة له. وأمّا دليل الحجّيّة العامّ فلا يدلّ إلاّ على حكم واحد، وهو حجّيّة ما ياخذ به، ولا يدل على وجوب الأخذ بأحدهما.

أقول: إنّ هذا الكلام أقلّ ما يرد عليه أنّه بالإمكان أنّ يقال: إنّنا نختار الشقّ الرابع، وهو حجّيّة ما يأخذ به، فإن احتمل عقلائياً كون نكتة الحجّيّة منسجمة مع حجّيّة من هذا القبيل، أي حجّيّة أمرها بيد المكلف فإن أخذ والتزم بالحديث كان حجّة، وإلاّ لم يكن حجّة فلا بأس بالالتزام بذلك، وإن لم يحتمل ذلك؛ إذ ليس من المحتمل عقلائياً كون التزام العبد وعدم التزامه دخيلا في اهتمام المولى بالملاكات الواقعية وعدمه، أو كون ملاك الحجّيّة سنخ


(1) راجع مصابح الاصول - ج 3 ص 365 ـ 367.