المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

621

الالتزام العملي، أي: أن يكون عمله بنحو ينسجم مع أحد الخبرين، فهي فاقدة للشرط الثاني؛ إذ حجّيّة شيء بشرط العمل به غير معقولة للّغوية، فإنّ الحجّيّة تكون للعمل، فإذا صارت بشرط العمل لم يبق لها أثر، وفاقدة للشرط الأوّل؛ إذ بالامكان أن يعمل عملا ينسجم مع كلا الخبرين، فإذا دلّ أحد الخبرين على الوجوب والآخر على عدم الوجوب، كان بإمكانه أن يفعل، والفعل ينسجم مع الوجوب ومع عدم الوجوب، فتجتمع الحجّيّتان، وترجع المنافاة بينهما. وإن اُريد بالالتزام فيها الموافقة الالتزامية فالإشكال الأوّل يرتفع، وقد يتصوّر أنّ الإشكال الثاني ـ أيضاً ـ يرتفع بدعوى عدم معقولية الالتزام بكليهما.

وعلى أيّ حال، فنحن نقول: سواء اُريد بالالتزام الموافقة الالتزامية أو الموافقة العملية لا أقلّ من عدم توفّر الشرط الثالث، فإنّ حجّيّة أحدهما بشرط الالتزام به تنافي حجّيّة الآخر مطلقاً، أي: سواء التزم بالأوّل أو لا، فبهذا البرهان نبطل تصوير التخيير بهذا النحو، لا بما ذكره السيّد الاُستاذ من استبعاد كون أمر الحجّيّة بيد الشخص، بحيث لو لم يلتزم لم يكن حجّة عليه، فإنّ التخيير بهذا النحو باطل بالبرهان القاطع كما عرفت، لا بمجرّد استبعاد من هذا القبيل.

والصورة الخامسة، وهي حجّيّة الفرد المردّد، والسادسة، وهي حجّيّة أحدهما الجامع بينهما، والسابعة، وهي حجّيّة غير ما علم كذبه إجمالا يرد عليها إشكال مشترك، وهو: أنّ النتيجة المقصودة من هذه الحجّيّة هل هي إيصال مفاد أحد الدليلين بعينه وإثبات الضيق، أو التوسعة للمكلّف، أو هي إيصال أحدهما إجمالا من دون تعيين أحد المفادين؟

فإن كان المقصود هو الأوّل فهو غير معقول؛ إذ نسبة هذه الحجّيّة في مرحلة الايصال إلى كلّ من المفادين على حدّ سواء. وإن كان المقصود هو الثاني فوصول أحدهما إجمالا ثابت بالعلم الوجداني، فإنّ المكلّف يعلم إجمالا بالوجوب أو عدمه؛ لأنّهما نقيضان لا يرتفعان، والوصول الوجداني لمّا يتردّد بين الوجوب وعدمه لا ينجّز، ولا يعذّر، فكيف بالوصول التعبدي؟

وليس مقصودي أنّ إطلاق دليل الحجّيّة لا يشمل هذه الحجّيّة لأنّها لغو لا فائدة فيها، حتّى يقال: إنّ إشكال اللغوية إنّما يرد لو صدّر المولى تشريعاً خاصّاً أو بياناً خاصّاً لهذه الحجّيّة لا بالإطلاق، وإنّما المقصود أنّ هذه الحجّيّة لا تفيد الفقيه أيّ فائدة، وليست هي التي يُتكلّم عنها في مقام إثبات الحجّيّة التخييرية، وهدف البحث أن يُرى هل يستفاد من دليل الحجّيّة العامّ حجّيّة لأحد الخبرين أو كليهما في الجملة بحيث تؤثّر أثراً عملياً للفقيه، أو لا.