المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

625

رواه السنّي، إلاّ أنّ هذا بحسب الروح والنتيجة يرجع إلى التخيير بصورته الثانية، إذ يصبح كلّ من الخبرين حجّة بشرط أن لا يكون هو المعلوم إجمالا كذبه المساوق لكون الآخر كذباً، فكأنّما صار كلّ منهما حجّة لدى كذب الآخر.

ثمّ إنّ القسم الأوّل من التعارض، أعني التعارض العرضي من قبيل (صلِّ صلاة الظهر) و(صلِّ صلاة الجمعة) قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة فيه ـ إذا فرض النظر إلى دليل لفظي للحجيّة بغضّ النظر عن تحكيم الارتكازات فيه ـ هو حجّيّة كلتا الدلالتين المطابقيّتين. أما لو تنزّلنا عن ذلك، وفرضنا أنّ الجمع بينهما في الحجّيّة لا يمكن للغفلة مثلا عمّا مضى من أنّ الدلالتين الالتزاميّتين متعارضتان، وأنّه متى ما وقع التعارض بين طائفتين مع كون إحداهما مبتلاة بالتعارض الداخلي بقيت الاُخرى سليمة عن المعارض، أو حكّمنا ما مضى من ارتكاز عدم التفكيك بين الدلالة المطابقية والدلالة الالتزامية في الحجّيّة، فعندئذ هل تصل النوبة إلى التخيير أو إلى التساقط؟

التحقيق: أنّه إن فرض العلم الإجمالي بصدق أحدهما التحق بالقسم الثاني، وجرى فيه ما مضى في القسم الثاني حرفاً بحرف، ولا يعقل فيه التخيير بنفس النكات التي أوجبت عدم معقوليّة التخيير في القسم الثاني. وإن فرض عدم العلم الاجمالي بصدق أحدهما التحق بالقسم الثالث في معقولية التخيير بالصورة الثانية لنفس النكات الماضية في القسم الثالث.

نعم، لا تتعقّل باقي صور التخيير إلاّ الصورة السابعة عند ثبوت التعيّن للمعلوم بالإجمال كذبه واقعاً حتّى على فرض كذبهما معاً، وقد عرفت أنّها بحسب الروح والنتيجة ترجع الى الصورة الثانية.

وعلى أيّ حال فنتيجة التخيير بمعنى حجّيّة كلّ منهما على تقدير كذب الآخر في القسم الثالث وفي القسم الأوّل عند التحاقه بالقسم الثالث، والتنزّل عن الجمع بينهما في الحجّية هي نفي الثالث للعلم بحصول شرط الحجيّة في أحدهما إجمالا للعلم بكذب أحدهما إجمالا، فنعلم بحجيّة أحدهما إجمالا، فبذلك يُنفى الثالث.

وكان في الفقه اتّجاه وميل عند الفقهاء إلى نفي الثالث، ولكن عجزوا في الاُصول عن تصوير وجه فنّي معقول لذلك، فقد يُتشبّث بمثل نفي الثالث بالدلالة الالتزامية وبقائها على الحجّيّة بعد سقوط المطابقية، والتخريج الفنّي للمطلب إنّما هو ما ذكرناه.

هذا كله لو تكلّمنا بالنظر إلى دليل لفظي للحجّيّة بغض النظر عن تحكيم الارتكازات العقلائية.