المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

628

الثاني: دوران الأمر بينهما في عالم الامتثال، كما لو عجزنا عن الجمع بين واجبين: أحدهما محتمل الأهمّيّة دون الآخر. وهنا قالوا: إنّ الأصل هو التعيين؛ لكون الشكّ في مرحلة الامتثال. وتفصيل الكلام موكول إلى بحث التزاحم.

الثالث: دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجّيّة، كما إذا كان لدينا خبران: أحدهما نحتمل فيه ثبوت الحجّيّة تعييناً كما نحتمل تساويهما في الملاك، فيدور الأمر بين أن يكون كلّ منهما حجّة تخييراً او يكون محتمل الأهمية هو الحجّة وحده تعييناً. وهذا هو الأمر المبحوث عنه في المقام.

وقد اختار المشهور القول بالأخذ بجانب التعيين سواء في الفرضية الثالثة أو الرابعة التي يدور الأمر فيها بين التعيينين والتخيير، وتكون الوظيفة في الفرضية الرابعة الاحتياط بالجمع بين التعيينين إن أمكن.

ولكن لا بدّ لنا من أجل التعرّف على حقيقة الأمر من النظر بدقّة إلى هذا الدوران، ولذا فسوف نتكلّم على فرضيّتين:

الاُولى: فرضيّة عدم انحلال العلم الاجمالي الكبير بوجود تكاليف ثابتة في أصل الشريعة الذي يقتضي التنجيز بالنسبة إلى جميع الشبهات الإلزاميّة.

الثانية: فرضيّة انحلال العلم الإجمالى الكبير بتكاليف معلومة تفصيلا بقدر التكاليف المعلومة إجمالا، وإجراء أصالة البراءة في الشبهات الاُخرى غير المعلومة، كما هو المعروف من أنّ المعلوم من التكاليف تفصيلا بما في الكتب الأربعة مثلا أو غيرها من الأمارات يكون موجباً لانحلال العلم الاجمالي الكبير:

أمّا على الفرضية الأولى، فإذا كان عندنا دليلان: أحدهما دلّ على الوجوب والآخر دلّ على عدم الوجوب(1) فهنا صور ثلاث:

فإمّا أن يكون الدليل الدالّ على الوجوب هو الدليل المتحمل الأقوائية، أو بالعكس، أو يكون كلّ منهما محتمل الأقوائية.

أمّا الصورة الاُولى، فالحكم فيها هو الإتيان بالفعل المحتمل الوجوب ولو احتياطاً؛ إذ حتّى لو التزم بخبر الإباحة لا بخبر الوجوب يبقى الوجوب منجّزاً عليه بالعلم الإجمالي. نعم،


(1) أمّا لو فرض أنّ الدليلين دلّ أحدهما على الوجوب والآخر على الحرمة، فالعلم الاجمالي الكبير هنا ساقط عن التأثير؛ لأنه ليس بأكثر تأثيراً من فرض علم صغير بالإلزام المردّد بين وجوب شيّ وحرمته، فيلحق هذا بفرض انحلال العلم الاجمالي الكبير.