المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

629

لا يصحّ منه الافتاء بالوجوب إلاّ بعد أخذه بخبر الوجوب؛ إذ مع الأخذ به يكون هو الحجّة قطعاً، سواء كانت الحجّيّة تعيينيّة أو تخييريّة. أمّا مع عدم الأخذ به فيقع الشكّ في حجّيّته، ومع الشكّ لا يصحّ الإفتاء بمضمونه.

وأمّا الصورة الثانية، فيصحّ فيها الإفتاء بمضمون دليل عدم الوجوب والعمل به إذا أخذ به؛ إذ مع الأخذ به يكون حجّة قطعاً، فيصحّ رفع اليد عندئذ عن تنجيز العلم الاجمالي بعد وصول الحجّة على الترخيص، ولا يصحّ الإفتاء بمضمون دليل الوجوب حتّى مع الأخذ به؛ للشك في حجّيّته. نعم، لو لم يأخذ بدليل نفي الوجوب لا بدّ له من الاحتياط في العمل؛ لأنه يشكّ عندئذ في حجّيّة دليل عدم الوجوب، ومع الشكّ لا يجوز رفع اليد عن العلم الإجمالي وتنجيزه.

وأمّا الصورة الثالثة، وهي ما لو كان كلّ منهما محتمل الأقوائيّة، فمن ناحية العمل لا بدّ له فيها من الاحتياط بسبب العلم الإجمالي؛ وذلك لأنّه حتّى لو أخذ بدليل عدم الوجوب يبقى هذا الدليل غير ثابت الحجّيّة، فعليه أن يعمل بفرض الوجوب، ولكن ليس له الإفتاء بمضمون دليل الوجوب حتّى لو أخذ به؛ لإنّه حتّى مع الأخذ به يبقى غير ثابت الحجّيّة.

وأمّا على الفرضية الثانية، وهي فرضيّة انحلال العلم الإجمالى وجريان البراءة في الشبهات مطلقاً فتارةً نتكلّم في دليلين دلّ أحدهما على الوجوب والآخر على عدم الوجوب، واخرى نتكلّم في دليلين دلّ أحدهما على الوجوب والآخر على الحرمة:

أما الفرض الأوّل، وهو ما لو كان أحدهما دالّا على الوجوب والآخر دالّا على عدم الوجوب، فتارةً يكون احتمال التعيين في طرف الوجوب، واُخرى في طرف الإباحة، وثالثة في كلا الطرفين.

فإن كان احتمال التعيين في طرف الوجوب فقد يقال انسياقاً مع المشهور الذين قالوا بالتعيين لدى دوران أمر الحجّيّة بين التعيين والتخيير: إنّ الأمر يدور بين حجّيّة تعيينيّة لدليل الوجوب وحجّيّة تخييرية، والحجّيّة التخييريّة تعني أحكاماً ثلاثة، وهي: حجّيّة دليل الوجوب بشرط الأخذ به، وحجّيّة دليل الإباحة بشرط الأخذ به، ووجوب الأخذ بأحدهما.

ومعنى وجوب الأخذ بأحدهما أنّه لو لم يلتزم بأحدهما فالواقع منجّز عليه، وليس معناه الوجوب النفسي الواقعي.

وهذا الحكم الثالث، أعني وجوب الالتزام بأحدهما إنّما احتجنا إليه لفرض انحلال العلم