المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

631

فلو احتملنا التعيين في أحدهما دون الاخر، والتزم به، كان هو الحجّة، وكان معذّراً عن الواقع لو كان الواقع في الطرف الآخر.

ولو لم يلتزم بشيء منهما فالأمر دائر بين الحجّيّة المطلقة لأحدهما المعيّن والحجّيّتين المشروطتين(1)، ولا مجال للبراءة لا لدوران الامر بين الوجوب والحرمة بناءً على ما يقال من عدم جريان البراءة عند دوران الأمر بينهما، فإنّه هنا ليس الأمر دائراً بينهما؛ لاحتمال الإباحة مثلا، بل لأنّه يعلم إجمالا بأنّه: إمّا تنجّز عليه مفاد الخبر المحتمل التعيين، أو يجب عليه الالتزام بأحدهما، أي: إنّه على تقدير عدم الالتزام يكون الواقع منجّزاً عليه وما يقال في باب دوران الأمر بين المحذورين من أنّ التنجيز لغو صِرف لأنّه: إمّا فاعل، أو تارك، لا يأتي هنا، فإنّ أثر التنجيز هنا هو دفعه إلى الالتزام بالخبر المتحمل التعيين، لأنّه لو التزم به قطع بالخروج عن العهدة، ولو لم يلتزم به، فإمّا أن لا يلتزم بشيء منهما، أو يلتزم بالخبر الآخر. فإن لم يلتزم بشيء منهما لم يستطع موافقة العلم الإجمالي موافقة قطعية؛ لأنّ ما يعلم إجمالا بتنجّزه مردّد بين الوجوب والحرمة. وإن التزم بالخبر الآخر، أي: بما لا يحتمل حجّيّته تعييناً، فقد علم إجمالا: إمّا بحجّيّة ما لم يلتزم به بناءً على كونه الحجّة معيّناً، أو بحجّيّة ما التزم به بناءً على الحجّيّة التخييرية الراجعة إلى حجّيّة ما يلتزم به. ولا يمكنه الامتثال اليقيني لهذا العلم الإجمالي، فيجب عليه تخلّصاً من ورطة التكليف المعلوم العدول إلى الالتزام بالخبر المحتمل التعيّن في الحجّيّة حتّى يصبح حجّة له قطعاً، ويعمل به، ويكون معذّراً عن الواقع لو كان الواقع في الطرف الآخر.

إذن فاتّضح أنّ أثر التنجيز هنا هو دفعه إلى الالتزام بالخبر المحتمل التعيين، فما نحن فيه حاله حال دوران الأمر بين المحذورين قبل الفحص، حيث لا مانع هنا من تنجيز العلم الإجمالي؛ لأنّ لذلك أثراً وهو دفعه نحو الفحص.

فتحصّل: أنّ النتيجة هي نتيجة التعيين؛ إذ لا بدّ له ـ على أيّ حال ـ من العمل بما احتمل تعيينه في الحجّيّة.

وأمّا لو احتملنا التعيين في كلّ واحد منهما، فهنا لا يمكن الامتثال اليقيني للتكليف المعلوم بأيّ صورة من الصور، ويصبح حال ذلك حال دوران الأمر بين المحذورين بعد


(1) قلت له(رحمه الله): ما فائدة جعل الحجّيّة التخييرية بين خبري الوجوب والحرمة؟

فأجاب (رحمه الله) بأنّه يظهر الأثر في مثل الإفتاء وثبوت اللوازم.