المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

632

الفحص، إلاّ أنّه ليس الأمر هنا دائراً بين الوجوب والحرمة؛ لاحتمال الاباحة مثلا، فهو لم يعلم بإلزام واقعي، لكنّه علم بتنجّز شيء عليه، ولا يدري ما هو، ولا يمكنه أن يفعل شيئاً أزيد من العمل بأحدهما، فالنتيجة هنا نتيجة التخيير(1).

ثمّ إنّ ما ذكرناه يثمر ـ أيضاً ـ في باب التقليد إذا تعارض فتوى الأعلم وغير الأعلم وبنينا على وجود دليل على عدم التساقط المطلق، فالمشهور قالوا بأصالة تعيين الأعلم؛ لأنّ قوله حجّة يقيناً، وقول غير الأعلم لم نعلم حجّيّته، فمقتضى الأصل عدم الحجّية.

ونحن نقول قد يكون مقتضى القاعدة التخيير، كما لو أفتى الأعلم بوجوب شيء وغير الأعلم بالاباحة، فمؤونة الحجّيّة التعيينيّة أزيد من مؤونة الحجّيّة التخييرية، فترفع بالبراءة على ما عرفت توضيحه في الخبرين.

نعم، يبطل التخيير في ثلاثة فروض:

1 ـ لو قام الدليل الاجتهادي على تعيين الأعلم.

2 ـ لو لم ينحلّ العلم الإجمالي الكبير في حقّ العامي، فلو كان يعلم بمأة تكليف إلزامي مثلا، وكان الأعلم وغيره متّفقين على مائة فتوىً إلزامية، فقد انحلّ العلم الإجمالي بذلك؛ لحجّيّة فتواهما لدى عدم التعارض، وفي غير هذه الصورة لا ينحلّ العلم الإجمالي، فيضطرّ العامي إلى الاحتياط، إلاّ إذا كان الأعلم هو الذي يفتي بالإباحة.

3 ـ لو لم يكن غير الأعلم يفتي بالاباحة، والأعلم بالإلزام، بل كان كلاهما يفتيان بإلزامين متخالفين، أي: إنّ أحدهما يفتي بالوجوب والآخر بالحرمة، فعندئذ يضطرّ إلى الأخذ بقول الأعلم.

وأما لو أفتى الأعلم بالاباحة وغيره بالإلزام، وكان قد انحلّ العلم الإجمالي الكبير، فالإلزام غير منجّز عليه، كما مضى شرحه في الخبرين المتعارضين.

 

إمكان نفي حكم ثالث مناف لمفاد الخبرين المتعارضين وعدمه:

بقي الكلام في أنّه لو ذهبنا إلى ما ذهب إليه المشهور من التساقط، فهل يمكن نفي الثالث بهما أو لا؟


(1) نعم، لو فرض أنّ الخبرين المتعارضين لم يكونا من سنخ ما يدلّ أحدهما على الوجوب والآخر على الحرمة، بل كانا من سنخ ما يدلّ أحدهما على وجوب الظهر مثلا والآخر على وجوب الجمعة مع العلم بكذب أحدهما، وكان من الممكن العمل بهما معاً، فاحتمال التعيين في كلّ واحد منهما يوجب الاحتياط بالعمل بهما معاً.