المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

635

حيث إنّ المعنى يدلّ عليه دلالة عقلية للعلم بالملازمة بينهما. وأمّا ثبوته بالمعنى المطابقي فأيضاً غير صحيح؛ لإن المعنى المطابقي غير ثابت لا وجداناً ولا تعبّداً: أمّا وجداناً فواضح، فإنّه ليس لنا علم وجداني بمطابقة المدلول المطابقي للواقع. وأمّا تعبّداً فلأنّ المفروض سقوط الدلالة المطابقية عن الحجّيّة، فلم يثبت المعنى المطابقي تعبّداً. إذن فلا محالة تسقط الدلالة الالتزامية عن الحجّيّة من باب سقوط الدالّ راساً فنحن في الطرحين السابقين كنّا نفترض ثبوت الدالّ ونتكلم في حجّية الدلالة وعدمها، وفي هذا الطرح اتّضح عدم ثبوت الدالّ على المدلول الالتزامي لا وجداناً ولا تعبداً(1).

هذا كلّه في غير اللاّزم البيّن بالمعنى الأخصّ. وأمّا فيه فلا يأتي هذا الطرح؛ لإنّ الدلالة الالتزامية فيها لفظية، فنرجع إلى الطرح الأوّل. والحقّ في الطرح الأوّل عندنا هو دعوى الطولية، إلاّ أنّه ليس لذلك بيان فنّي فتختلف الآرآء فيه حسب اختلاف الأذواق(2).

 


(1) قد أورد على ذلك اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) حسب ما ورد في تقرير السيّد الهاشمي (حفظه الله) الجزء السابع: ص 263 ـ 264 بما حاصله بعد إخراجه من التشويش الموجود في الكتاب: أنّ المعنى المطابقي بوجوده الواقعي مستلزم عقلا للمدلول الالتزامي، فالدّال على الأوّل دالّ على الثاني لا محالة، أي: إنّ الكاشف عن الأوّل كاشف عن الثاني ـ لا محالة ـ بنفس الدرجة من الكشف التصديقي، وهذا الدالّ موجود حسب الفرض، غاية ما هناك أنّ دلالته على الأوّل ساقطة عن الحجّيّة. أما سقوط دلالته على الثاني عن الحجّية فهو أوّل الكلام.

ومن هنا انتقل اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في هذا الكتاب إلى وجه آخر لسقوط الدلالة الالتزامية عن الحجّية عند سقوط المطابقية، وهو أنّ ملاك الحجّية في الدلالتين واحد، فلا تبقى نكتة لحجّية الالتزامية بعد سقوط المطابقية، فإنّ نكتة الحجّية وملاكها عبارة عن أصالة عدم الكذب بالمعنى الشامل للاشتباه، أو أصالة إرادة المعنى الظاهر، وإذا سقطت المطابقية بظهور كذبها أو عدم إرادة ظاهرها مثلا، فافتراض عدم ثبوت المدلول الالتزامي لا يستدعي افتراض كذب زائد، أو مخالفة زائدة للظهور.

قال (رحمه الله): وعلى هذا الأساس صحّ التفصيل في التبعيّة بين الدلالة الالتزاميّة البيّنة عرفاً، أي: الثابتة على مستوى الدلالة التصوّرية وغيرها التي لا تثبت إلاّ على مستوى الدلالة التصديقية العقلية، فلا تبعيّة في الالتزامية البيّنة؛ لأنّ مخالفتها تشكّل مخالفة جديدة للظهور اللفظي.

وقال (رحمه الله): وعلى هذا الأساس ـ أيضاً ـ صحّ التفصيل بين الدلالة التضمّنية التحليلية والدلالة التضمنية غير التحليلية ولو كانت ارتباطية ـ كما في دلالة العامّ المجموعي ـ، فإنّ الاُولى لا تبقى على الحجّية لعدم لزوم خطأ آخر، أو مخالفة زائدة من سقوطها، بينما الثانية تبقى على الحجّية ولو سقط المدلول المطابقي، فلو علم من الخارج عدم ارادة العموم من العامّ المجموعي للعلم بخروج فرد معيّن منه، صحّ التمسّك به لإثبات الحكم في الباقي، ولا تخريج فنّي لذلك إلاّ ما أشرنا إليه من أنّ الدلالة التضمّنية في العامّ المجموعي وإن كانت ارتباطية، ولكنّ مخالفة العامّ المجموعي بعدم إرادة أفراد اُخرى أيضاً منه زائداً على ذاك الفرد المقطوع بخروجه تعتبر أشد عناية، وأكثر مخالفة.

(2) يبدو ممّا نقلناه في التعليق السابق عن كتاب السيّد الهاشمي (حفظه الله) عدول اُستاذنا (رضوان الله