المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

645

أعمّ بناءً على أنّ دلالتها على حجّيّة خبر الواحد إنّما هي بالإطلاق، حيث إنّها إنّما دلّت على وجوب الحذر، وكان يمكن اختصاص ذلك بموارد حصول القطع بالحكم من تواتر أو قرينة ونحو ذلك، فشمولها لغير مورد حصول القطع يكون بالإطلاق، فعندئذ بالإمكان أنّ يقال لو وجدنا خبراً واحداً يدلّ على حجّيّة أخبار الآحاد في الأحكام: إنّ هذا الخبر الواحد بالرغم من أنّه ليس دليلا من أدلّة حجّيّة خبر الواحد؛ لأنّ دليل حجّيّة خبر الواحد يجب أن يكون قطعي الصدور، إلاّ أنّه يفيدنا في المقام في تقديم إطلاق آية النفر على إطلاق رواية ابن أبي يعفور، وذلك لأنّنا لو أخذنا بإطلاق رواية ابن أبي يعفور ورفعنا اليد عن إطلاق اية النفر، كان ذلك رفعاً لليد عنه بلا قرينة، وترجيحاً لمعارضه عليه بلا مرجّح. أمّا لو أخذنا بإطلاق آية النفر فرفع اليد عن إطلاق رواية ابن أبي يعفور ليس رفعاً لليد عنه بلا قرينة، وإنّما هو رفع لليد عنه بالقرينة؛ لأنّ ذلك الخبر الواحد الدالّ على حجّيّة أخبار الآحاد في الأحكام أصبح حجّة ببركة إطلاق آية النفر، وهو أخصّ مطلقاً من رواية ابن أبي يعفور؛ لاختصاصه بالأحكام، فيصير قرينة على تخصيص رواية ابن أبي يعفور بخصوص اُصول الدين ونحوها. هذا هو روح المطلب. وإن شئت التعبير بلغة الدور فقل: إنّ تمامية مقتضي الحجّيّة لإطلاق رواية ابن أبي يعفور فرع عدم تخصيصها بذلك الخبر الواحد الذي هو فرع عدم ثبوت حجّيّته بإطلاق آية النفر، أي: عدم حجّية إطلاق آية النفر. إذن فتماميّة مقتضي الحجّية لإطلاق رواية ابن أبي يعفور فرع عدم حجّية إطلاق آية النفر، وما يكون فرع عدم شيء يستحيل أن يمنع عن ذلك الشيء، وإلاّ لزم الدور.

فتحصّل: أنّه بالإمكان افتراض عامّين من وجه نسبتهما الدلالي إلى مادّة الاجتماع على حدّ سواء، وبالرغم من ذلك يتقدم أحدهما على الآخر لنكتة سحريّة تجعل رفع اليد عن إطلاق أحدهما إسقاطاً له بلا قرينة، ورفع اليد عن إطلاق الآخر إسقاطاً له بقرينة وإن كنّا لم نجد مثالا لذلك في الفقه.

هذا كلّه لو افترضنا أنّ رواية ابن أبي يعفور تردع عن حجّيّة خبر الواحد ولو كان له شاهد من كتاب الله، كما هو الظاهر على ما مضى.

أمّا لو افترضنا أنّها تردع عن خصوص ما ليس له شاهد، فالأمر أوضح؛ وذلك لأنّ هذا الخبر الواحد الذي دلّ على حجّيّة أخبار الآحاد في الأحكام له شاهد من كتاب الله، وهو آية النفر، فهذا حجّة يقيناً، فتخصّص به رواية ابن أبي يعفور بلا حاجة إلى ما عرفته من البيان.