المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

655

فكأنّه ـ دامت بركاته ـ أحسّ أنّه واقع بين محذورين: فإمّا أن يقول بأنّ الإطلاق قوامه بعدم البيان المتصل، وهذا لازمه عدم تقدّم العموم على الإطلاق عند انفصال أحدهما عن الآخر.

وإمّا أن يقول بأنّ الإطلاق قوامه بعدم البيان مطلقاً، أي ولو متأخّراً، وهذا لازمه عدم حجّيّة إطلاق كلام المولى ما دام يحتمل ورود القيد بعد ذلك، فذهب إلى أمر بين الأمرين، وهو أنّ الإطلاق في كلّ آن قوامه بعدم بيان التقييد في ذلك الآن، فإطلاق الكلام حدوثاً ينعقد بعدم بيان التقييد المتّصل، ويستمرّ ما دام عدم التقييد مستمراً. وهذا يُريحه من كلا المحذورين، فمن ناحية يثبت بذلك مدّعاه من تقدّم العامّ على المطلق؛ لأنّ العامّ بيان، فمتى ما ورد انتفى الإطلاق. ومن ناحية اُخرى حينما يرد مطلق يُؤخَذ به وإن احتمل ورود التقييد بعد ذلك؛ وذلك لأنّه ما دام التقييد غير وارد يكون الإطلاق منعقداً.

إلاّ أنّ هذا الكلام بالرغم ممّا قد يتراءى في بادىء الأمر من فنّيّته لا محصّل له. ولتوضيح ذلك نذكر كلاماً للمحقّق النائيني (رحمه الله) يكون هو المنشأ لهذه الكلمات، وهو افتراض ثلاث دلالات للكلام، فلو قال المتكلم مثلا: (أكرم كلّ عالم) فلهذا الكلام ثلاث دلالات:

1 ـ الدلالة التصوّرية، حيث إنّ هذا الكلام يبعث في النفس تصوّر مضمونه، ومعاني كلماته.

2 ـ الدلالة التصديقية، بمعنى كشف هذا الكلام بما هو كلام ـ بغضّ النظر عن شيء آخر ـ عن مراد المتكلّم، وهو في المثال عبارة عن إرادة المولى وجوب إكرام كلّ عالم بنحو العموم.

3 ـ الدلالة التصديقية، بمعنى الكشف الفعلي عن المراد الجدّي، فقد لا يكون مطابقاً للدلالة التصديقية بالمعنى الأوّل، كما لو ورد مخصّص لهذا العامّ، فلا يكون الكشف الفعلي كشفاً عن إرادة العموم بالرغم من أنّ الكلام بما هو كلام يكشف عن إرادة العموم؛ لأنّه ورد عاماً(1).

إذا عرفت ذلك قلنا: إنْ أراد السيد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بالدلالة الإطلاقية التي تستمرّ ما دام عدم ورود القيد مستمرّاً، وتنقطع بوروده الدلالة التصديقية الثانية في كلام المحقّق النائيني(رحمه الله)، فما ذكره من استمرار هذه الدلالة ما لم يرد القيد وانقطاعها بوروده


(1) راجع فوائد الاصول ج 4 ص 716 ـ 717 بحسب طبعة جماعة المدرسين بقم وأجود التقريرات ج 2 ص 508.