المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

656

صحيح، إلاّ أنّ هذا الذي سمّاه المحقق النائيني (رحمه الله)بالدلالة التصديقية الثانية ليس في الحقيقة ظهوراً، وإنّما هو عبارة عن حجّيّة الدلالة التصديقية الاُولى، وطبعاً حجّيّة المطلق تستمرّ ما استمرّ عدم ورود القيد، وتنقطع بوروده، لكنّ الكلام في أنّه لماذا يصبح العامّ مقيّداً للمطلق، ولا يصبح المطلق مخصّصاً للعامّ. وإن أراد بذلك الدلالة التصديقية الاُولى من كلام المحقّق النائيني (رحمه الله)فليس من المعقول ما افترضه من كون الإطلاق حدوثاً وبقاءً تابعاً لعدم ورود القيد حدوثاً وبقاءً، وإنّما الأمر يدور عقلا بين أمرين، فإنّ الإطلاق يتكوّن من ظهور حال المتكلّم في أنّه بصدد بيان تمام مراده، فإمّا أن نقول: إنّ ظاهر حاله هو أنّه بصدد بيان تمام مراده بشخص هذا الكلام. وإمّا أن نقول: إنّ ظاهر حاله أنّه بصدد بيان تمام مراده بمجموع كلماته، ولا يوجد شقّ ثالث.

فعلى الأوّل يكون الإطلاق مُنعقداً وباقياً بمجرّد عدم ورود القيد المتّصل. وعلى الثاني يكون ورود المقيّد المنفصل كاشفاً عن عدم الإطلاق من أوّل الأمر، فما افترضه من حالة وسط بين الحالتين غير معقول(1). وعليه فما ذكره المحقّق الخراساني (رحمه الله)كلام فنّي لا بأس به، فالعموم بما هو عموم لا يتقدّم على الأطلاق. نعم، غالباً يتقدّم العامّ على المطلق بالأظهرية؛ لأنّ العموم بذاته أقوى من الإطلاق وإن كان قد يتّفق التساوي أو أقوائية الإطلاق لنكتة، فربّ إطلاق يكون في الدرجات العالية من القوّة كقوله في باب مفطّرات الصوم: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال ( أو أربع خصال حسب اختلاف النسخ): الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء(2) فإطلاقه لنفي مفطّرية غير هذه الأشياء قويّ جدّاً.


(1) وهنا اعتراض آخر على كلام السيّد الخوئي (رحمه الله) ورد ذكره في بحوث السيد الهاشمي، المجلّد السابع، وهو أنّه هل يدّعى أنّ الرافع للظهور الإطلاقي بالنسبة لكلّ زمان هو وصول البيان والقيد إلى المكلف، أو صدوره واقعاً؟

أمّا الأوّل فلا معنىً لإدّعائه؛ إذ من الواضح أنّ خصوصيّة الوصول غير دخيلة في تكوّن الظهور التصديقي لكلام المتكلّم، وإنّما المعقول دخلها في الحجّيّة.

وأمّا الثاني فيلزم منه أنّنا لو احتملنا ورود بيان منفصل في الزمان الثاني ابتلى المطلق بالإجمال بلحاظ ذلك الزمان؛ لأنّه على تقدير صدور البيان واقعاً يكون الإطلاق مرفوعاً في هذا الزمان، فلم يتمّ التخلّص تماماً من المحذور الثاني. اللّهم إلاّ بمعنى إمكانية التمسّك باستصحاب بقاء الظهور الإطلاقي المنعقد في الزمان الأوّل لو فرض عدم احتمال وجود البيان من أوّل الامر. وهذا إثبات لنتيجة الإطلاق بالأصل العملي، لا اللفظي الذي هو الغرض من الإطلاق. بحوث في علم الاُصول: ج 7 ص 282.

(2) الوسائل: ج 10 ب 1 مما يمسك عنه الصائم ح 1.