المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

657

والسرّ في أقوائية العموم من الإطلاق فى ذاته هو أنّ ظهور حال المتكلّم في أنّه لا يأتي في بيانه شيء زائد غير موجود في مراده أقوى من ظهور حاله في أنّه لا يترك في بيانه شيئاً موجوداً في مراده، والظهور الثاني هو أساس الإطلاقات جميعاً، حيث إنّ الإطلاق يكون على أساس أنّ المتكلّم ترك القيد، وظاهر حاله أنّه لو كان القيد داخلا في مراده لما ترك ذكره. وأمّا العموم فهو من القسم الأوّل، فإنّ المتكلّم قد ذكر العموم، وظاهر حاله أنّه لا يذكر شيئاً خارجاً عن مراده، فهو أقوى من الإطلاق.

والشاهد على أقوائية ظهور الحال في عدم ذكر ما لا يكون مراداً من ظهورها في أنّه يذكر كلّ ما هو داخل في المراد هو أنّه لولا ذلك لما صحّ ما تطابق عليه العرف والفقهاء من حمل المطلق على المقيّد، فلو قال: (اعتق رقبة) وقال: (اعتق رقبة مؤمنة) فالأمر دائر بين مخالفة ظهور الحال الأوّل في المقيّد بأن يكون الإيمان غير داخل في المراد، ومع ذلك ذكره في المقيّد، وظهور الحال الأوّل في المطلق، بأن يكون الإيمان داخلا في المراد ومع ذلك تركه في المطلق، فقدّموا المقيّد على المطلق، أي قدّموا الظهور الأوّل على الظهور الثاني، فكذلك في تعارض العموم والإطلاق يتقدّم العامّ على المطلق بنفس النكتة وإن كان وضوح التقدّم هنا لعلّه أهون وأخفّ إلى حدٍّ ما منه في المطلق والمقيد.

 

الأمر الثاني: إذا تعارض المطلق البدلي والمطلق الشمولي:

كما لو قال: (اكرم عالماً) وقال: (لا تكرم الفاسق) بناء على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي في مثل ذلك، فقد ذكر ـ أيضاً ـ الشيخ(قدس سره) على ما نسب إليه وغيره: أنّ المطلق الشمولي مقدّم على المطلق البدلي، وهنا ـ أيضاً ـ خالف المحقّق الخراساني (رحمه الله)قائلا: إنّ كليهما ظهور إطلاقي، ومجرّد كون أحدهما شمولياً والآخر بدلياً لا يوجب التقدّم(1).

والمحقّق النائيني (رحمه الله) اختار ما قاله القدماء(2) موجّهاً له بوجوه، نذكر أحدها، وأمّا الباقي فلا يكون قابلا للفهم، وهو: أنّ تقييد الإطلاق البدلي أهون من تقييد الإطلاق الشمولي؛ لأنّ المطلق الشمولي لو قيّدناه لكان معنى ذلك رفع اليد عن جزء مدلول الخطاب، لأنّنا رفعنا اليد عن بعض الأحكام التي دلّ عليها الخطاب من الوجوبات. وهذا بخلاف ما لو


(1) راجع الكفاية ج 1 ص 169 بحسب الطبعة المشتملة في حواشيها على تعليقات الشيخ المشكيني.

(2) راجع أجود التقريرات: ج 1 ص 161 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات السيد الخوئي(رحمه الله).