المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

658

قيّدنا الإطلاق البدلي الذي لم يدلّ إلاّ على حكم واحد، ونحن نعمل به. وأورد على ذلك السيد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بإيرادين:

الأوّل: أنّ الميزان في تقديم دليل على دليل إنّما هو القرينية، لا استحسان من هذا القبيل.

الثاني: أن المطلق البدلي يدلّ بالدلالة الالتزامية على ترخيصات عديدة في التطبيق على الأفراد بعدد المصاديق، وهذا إطلاق شمولي حاله حال المطلق الشمولي، فتقييد المطلق البدلي يلزم منه رفع اليد عن بعض هذه الأحكام الترخيصية، فالمرجّح الذي ذكره المحقّق النائيني(رحمه الله) منتف؛ لأنّ كلا المطلقين على حدٍّ سواء في أنّ تقييده يستلزم رفع اليد عن بعض أجزاء مدلوله(1).

أقول: إنّ كلاًّ من إشكالي السيّد الاُستاذ، وكلام المحقّق النائيني، وأصل طرح البحث بالنحو الذي طرحه القدماء غير صحيح. أمّا الإشكال الثاني فبعد تسليم مبنى دلالة المطلق البدلي بالالتزام على الترخيصات الشمولية ـ وهذا بحثه في محلّه ـ نقول: إنّ السيّد الاُستاذ معترف بتبعيّة الدلالة الالتزامية في الحجّيّة للدلالة المطابقية، وعليه نقول: إنّ ما يكون مقدّماً على الدلالة المطابقية في نفسها لبدليتها يقدّم قهراً على الدلالة الالتزامية التي هي في طول المطابقية، وشموليتها لا تشفع لها.

وأمّا الإشكال الأوّل ففيه: أنّ المحقّق النائيني (رحمه الله) لم يرد تقديم أحدهما على الآخر بغير القرينية حتّى يقال له: إنّ التقديم إنّما يجب أن يكون بملاك القرينية لا بملاك آخر استحساني، لكنّه (رحمه الله) يدّعي أنّ كون المطلق الشمولي تقييده مستلزماً لرفع اليد عن بعض أجزاء مدلوله، بخلاف البدلي يكون نكتة لقرينية المطلق الشمولي لتقييد المطلق البدلي، فلو اُريد تفنيد كلامه يجب أن يفنّد عن طريق توضيح عدم صلاحيّة ذلك للقرينيّة.

وأمّا كلام المحقق النائيني (رحمه الله) فيرد عليه: أنّ فيه خلطاً بين المطلق الشمولي والعموم الشمولي، فإنّه لو كان المعارض للمطلق البدلي هو العموم الشمولي الذي يدلّ على صبّ الحكم رأساً على الأفراد أمكن أن يقال: إنّ تخصيصه رفع لليد عن بعض أجزاء ما دلّ عليه نفس الخطاب. وأمّا المطلق البدلي فتقييده لا يوجب إلاّ افتراض قيد زائد لم يذكره، لا رفع اليد عن جزء ممّا ذكره، وهذا الكلام بهذا التقريب يرجع إلى ما بيّناه في تقديم العامّ على المطلق، ولكنّ المعارض فيما نحن فيه للمطلق البدلي هو مطلق شمولي، لا عامّ شمولي، وقد


(1) راجع مصباح الاصول ج 3 ص 379.