المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

660

الإطلاق البدلي، لا بعنوان الشمولية والبدلية، بل بنكتة اُخرى، وهي: أنّنا أثبتنا في مبحث اجتماع الأمر والنهي أنّ العاميّن من وجه المتعارضين لو كان أحدهما إلزاميّاً والآخر ترخيصيّاً قدّم الإلزامي على الترخيصي بنكتة بيّناها هناك. وهذا لا يرتبط بمسألة البدليّة والشموليّة، فقد يكون كلاهما شمولياً ومع ذلك يقدّم الإلزامي على الترخيصي، كما لو قال: (أكل الجبن جائز) وقال: (أكل المالح حرام) فانّه يحكم عندئذ بحرمة أكل الجبن المالح من دون إيقاع المعارضة بين الدليلين، فقد يقال: إنّ ما نحن فيه من هذا القبيل، فيقدّم قوله: (لا تكرم الفاسق) على قوله: (أكرم عالماً) بناءً على أنّ العرف يرى نسبة قوله: (أكرم عالماً) إلى قوله: (لا تكرم الفاسق) نسبة الدليل الترخيصي إلى الإلزامي لما يستبطن

المطلق البدلي من التوسعة على المكلّف، وإطلاق العنان له(1).

 

الامر الثالث: في انقلاب النسبة:

وهذا ـ أيضاً ـ بحث في صغرىً من الصغريات المشتبهة بين كبرى التعارض وكبرى الجمع العرفي، فقد يرد دليلان متعارضان بلحاظ أنفسهما، لكنّ أحد الدليلين بعد جمعه مع دليل ثالث بالإمكان دعوى زوال معارضته للدليل الآخر، وتحقّق الجمع العرفي بينهما، فمثلا لو ورد: (أكرم العلماء) وورد: (لاتكرم العلماء) فهما دليلان متعارضان في حد أنفسهما، لكنّه ورد دليل ثالث يقول: (لا تكرم فسّاق العلماء) فقد يقال: إنّ هذا يخصّص قوله: (أكرم العلماء) فيختصّ بالعدول، فيصبح أخصّ من قوله: (لا تكرم العلماء) فيخصّصه بالفساق. والكلام في ذلك يقع في عدة مقامات:

 

تماميّة كبرى انقلاب النسبة في نفسها:

المقام الأوّل: في تماميّة كبرى انقلاب النسبة في نفسها بعد افتراض وجود مبرّر لملاحظة


(1) دليل الترخيص لا يدلّ عادة على أكثر من الترخيص الحيثي وتوضيح ذلك: أنّ قوله مثلا: (أكل الجبن جائز) إنّما يدلّ على أنّ الجبن من حيث هو جبن يجوز أكله، وهذا لا ينافي حرمة أكل بعض أفراد الجبن لانطباق حيثية اُخرى عليه، كالغصب وغيره، فبهذه النكتة يتقدّم دليل التحريم عليه الثابت على عنوان آخر كانت نسبته إلى هذا العنوان عموماً من وجه، وكذلك الكلام في المطلق البدلي في المقام، من قبيل: (أكرم عالماً) فهو إنّما يقتضي الترخيص في تطبيق هذا المطلق على العالم الفاسق، بمعنى أنّه من حيث تحقيق عنوان إكرام العالم الذي وجب علينا لا مانع من التطبيق على العالم الفاسق، ولكن هذا لا ينافي افتراض حرمة إكرام العالم الفاسق لكونه فاسقاً، فبهذا يثبت تقدّم النهي الشمولي عليه.