المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

666

العامّ والخاصّ قبل لحاظ نسبة العامّين بنفسه أيضاً يتكفّل البرهنة على صحّة هذا التقدير، فإنّه مضى أنّ المعارض إنّما هو ما يكون حجّة بغضّ النظر عن المعارضة، والعام الأوّل بغضّ النظر عن المعارضة إنّما هو حجّة في خصوص العدول؛ لا بتلائه بلحاظ الفسّاق بالمخصّص، فهذا البيان ـ كما ترى ـ بنفسه يبرهن على أنّه لا بدّ أن تلحظ نسبة العامّ والخاصّ قبل لحاظ نسبة العامّين المتعارضين؛ لأنّه أوّلا يجب أن يُشخّص ما هو المعارض في كلّ من الطرفين، ثمّ ينظر إلى النسبة بين المتعارضين، وتعيين الموقف تجاههما.

وهذا الكلام صحيح مع شيء من التعميق، فإنّه قد يقال في مقابل هذا الكلام لو بقي على هذا المستوى: إنّه لماذا لا يعكس الأمر بأن يقال: إنّ تخصيص العامّ بالخاصّ فرع حجّيّة العامّ بغضّ النظر عن المخصّص، فإذا سقط العامّ بالمعارضة عن الحجّيّة لم تصل النوبة إلى التخصيص، إذن يجب أن نعرف في المرتبة السابقة على التخصيص ما هو حال العامّ من السقوط أو عدم السقوط تجاه معارضه؟

إذن فلا بد من تعميق المطلب بتوضيح هذه النكتة وهي: أنّه فرق بين إسقاط المخصّص للعموم عن الحجّيّة واسقاط المعارض لمعارضه عن الحجّيّة، فإسقاط المخصّص للعموم عن الحجّيّة يكون برفعه لمقتضي الحجّيّة، وتقدّمه على العموم بالقرينيّة والحكومة، وإسقاط المعارض لمعارضه ليس برفع مقتضي حجّيّته وتقدّمه عليه، بل يكون بمزاحمته إيّاه في الحجّيّة، وكونهِ مثله في وجود مقتضي الحجّيّة فيه، فيتعارضان ويتساقطان. وعليه نقول: إنّ وجود مقتضي الحجّيّة في عموم قوله: (لا تكرم العلماء) فرع عدم مخصّصيّة وقرينيّة قوله: (أكرم العلماء) وعدم مخصّصيّته وقرينيّته فرع عدم تخصيصه مسبقاً بلا تكرم فسّاق العلماء؛ لأنّه لو صحّ تخصيصه مسبقاً بذلك لا نقلبت النسبة حسب الفرض.

اذن فوجود مقتضي الحجّيّة لقوله: (لا تكرم العلماء) صار فرع عدم تخصيص قوله: (أكرم العلماء) مسبقاً بقوله: (لاتكرم فسّاق العلماء) فلا يعقل ما نعيّته عنه؛ فإنّ ما يكون متفرّعاً على عدم شيء يستحيل أن يمنع عن وجوده، ولا يمكن العكس، بأن يقال: إنّ تخصيص (أكرم العلماء) بالمخصّص فرع عدم سقوطه بالمعارض، فهو يسقط أوّلا مع معارضه (ثمّ نأخذ بالخاصّ؛ وذلك لأنّ المعارض لا يرفع مقتضي الحجّيّة في معارضه، وإنّما يزاحمه ويعانده معاندة المثل بالمثل، فقوله: (أكرم العلماء) كما هو مبتلىً بالمعارض الذي لا يرفع مقتضي حجّيّته، وإنّما يزاحمه في الحجّيّة كذلك مبتلىً في عرض ذلك الابتلاء بالمخصّص الذي يرفع مقتضي حجّيّة عمومه، فالمخصّص يؤثّر أثره لا محالة؛ لعدم وجود أيّ مانع عن ذلك، فلا