المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

677

يكون سقوط العامّ عن الحجّيّة في دائرة المخصّص وتخصيصه به أمراً يحصل حدوثاً بحدوث المخصّص الحجّة، ويثبت بقاءً ببقاء ذلك المخصّص على الحجّيّة، إذن فتخصيص العامّ بقاءً بالمخصّص الأوّل يكون في عرض تخصيصه بالمخصّص الثاني.

ولولا ما عرفته من الجواب لاستحكم الإشكال، ولم يكن جواب السيّد الاُستاذ جواباً عليه، وللزم تأسيس اُصول وفقه جديدين، فلو ورد مثلا دليل يدلّ على وجوب شيء ودليل آخر يدلّ على حرمته، ثمّ ورد في زمان ثالث متأخّر عنهما ما يدلّ على الكراهة يجب أن يقال بأنّ الدليلين الأوّلين تعارضا وتساقطا، وبقي دليل الكراهة بلا معارض، ولم يصح ما هو المألوف من إيقاع التعارض الثلاثي بينها، ويزداد ذلك غربةً لو بنينا على أنّ الحجّيّة تكون بالوصول، فمن كان آخر حديث اطّلع عليه هو حديث الوجوب يبني على الوجوب، ومن كان آخر حديث اطّلع عليه هو حديث الحرمة يبني على الحرمة، ومن كان آخر حديث اطّلع عليه هو الكراهة يبني على الكراهة. وحلّ ذلك ما عرفته من أنّ التخصيص والمعارضة شيء يكون حدوثاً بحدوث المخصّص والمعارض الحجّة في نفسه، وبقاءً ببقائه على الحجّيّة في نفسه.

الحالة الثالثة: أن يكونا بحسب الموضوع أعمّ وأخصّ مطلقاً، ونذكرهنا حول ذلك أربع كلمات:

الكلمة الاُولى: أنّ الخاصّ الأخصّ لو كان له مفهوم يخصّص الأعمّ فيجعله موافقاً له، فعندئذ لا إشكال في أنّ الخاصّ الأعمّ يخصّص به، والعام يخصّص بمقدار الخاصّ الأخصّ، وليس أيّ مجال لتوهّم تأثير مبنى انقلاب النسبة في المقام، ومثاله ما لو قال: (أكرم كلّ عراقي) وقال: (لا تكرم العراقي الفاسق) وقال: (العراقي الفاسق إن كان كذّاباً لا تكرمه).

الكلمة الثانية: إن لم يكن للخاصّ الأخصّ مفهوم يخصّص الخاصّ الأعم، كما لو قال: (أكرم كلّ عراقي) وقال: (لا تكرم العراقي الفاسق) وقال: (لا تكرم العراقي الكذّاب)، فعندئذ يخصّص العامّ بكلا المخصّصين في عرض واحد. وتوهّم أنّ العامّ يخصّص في المرتبة السابقة بأخصّ الخاصّين فتنقلب نسبته مع الخاصّ الآخر إلى العموم من وجه بناءً على كبرى انقلاب النسبة مدفوع بأنّ المقتضي لتخصيص العامّ بالخاصّ الأعمّ وهو القرينيّة موجود في نفس رتبة تخصيصه بالخاصّ الأخصّ، والمانع مفقود، وتقديم الخاصّ الأخصّ جزاف.

الكلمة الثالثة: إن كان الخاصّ الأخصّ متّصلا بالعامّ، كما لو قال: (أكرم كلّ عراقي، ولا تكرم الكذّاب منهم) ثمّ قال: (لا تكرم العراقي الفاسق)، فهذا لا إشكال في أنّه غير مرتبط