المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

68

أصابه ولم أتيقّن ذلك، فنظرت فلم أرَ شيئاً، فصلّيت فرأيت فيه، قال: تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت: لِمَ ذلك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً).

ولا يخفى: أنّه بناءً على استفادة الاستصحاب من هذا الحديث نستفيده بنحو الكبرى الكلّيّة لا بنحو يختصّ بمورد الحديث، فإنّ الوجوه التي مضت للتعميم في الصحيحة الاُولى تاتي هنا، لا سيّما أنّ كلام الإمام(عليه السلام) هنا أظهر في كونه بصدد التعليل، حيث ذكر كبرى الاستصحاب بعد سؤال السائل عن علّة الحكم، فتكون الوجوه التي كانت مبنيّة على استظهار العلّية أقوى وأظهر في هذا الحديث منها في ذاك الحديث.

ومحتملات الرواية أمران: أحدهما: الاستصحاب، والثاني: قاعدة اليقين. والمتعيّن هو الأوّل.

توضيح ذلك: أنّ المفروض في الإمام(عليه السلام) أنّه عند بيانه للأحكام يتكلّم كإنسان متعارف، ولا يعمل علم الغيب في ذلك المقام، وعليه فجواب الإمام(عليه السلام) في هذه الفقرة ينبغي أن يكون على أساس ما يستفاد من سؤال زرارة فيها، لا على أساس علم الإمام بالغيب بما في نفس زرارة، كما هو واضح، ومن هنا يظهر أنّ تطبيق كلام الإمام على الاستصحاب صحيح، وتطبيقه على قاعدة اليقين غير صحيح، والوجه في ذلك: أنّ أركان الاستصحاب مفروضة في كلام السائل، وأركان قاعدة اليقين غير مفروضة في كلامه، ولعلّها كانت مفروضة في مقصوده، لكن المفروض أنّ الإمام(عليه السلام) لا يعمل علم الغيب في مقام بيان الأحكام:

أمّا أركان الاستصحاب فهي اليقين السابق والشكّ اللاحق: أمّا اليقين السابق فيستفاد من قوله: «ظننت أنّه قد أصابه» الظاهر في أنّه كان قبل ذلك عالماً بالطهارة، بل قد لا يكون من المعقول عرفاً عدم اليقين بالطهارة حدوثاً بحيث كان زرارة شاكّاً في الطهارة منذ خلق الثوب. وأمّا الشكّ اللاحق فهو مفروض على كلّ تقدير، ولذا يطبّق الإمام(عليه السلام) في المقام قاعدة من قواعد الشكّ.

وأمّا أركان قاعدة اليقين فهي اليقين السابق مع الشكّ الساري، وهذا لا ينطبق في المقام إلاّ إذا فرض أمران: أحدهما: أنّه كان في حال الصلاة عالماً بطهارة ثوبه، بأن كان فحصه وعدم وجدانه مؤدّياً الى علمه بالعدم. وثانيهما: أنّه بعد أن رآى النجاسة في ثوبه بعد الصلاة لم يحصل له العلم بأنّها نفس النجاسة التي فحص عنها، وهذا الأمر الثاني وإن كان هو الظاهر من قوله: «رأيت فيه» حيث لم يقل: (رايته فيه) ممّا يظهر أنّه علم بأصل النجاسة لا بكونها