المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

681

الراوى له دلالة التزامية وهي ثبوت الحكم بنحو القضية المهملة، وقد بيّنا في الحالة الاُولى أنّ الخاصّ وهو قوله: (لا يستحبّ إكرام العراقي البصري) له دلالة التزامية عقلية وعرفية، وهي: أنّه لو ثبت استحباب إكرام العراقي بنحو القضية المهملة لكان الاستحباب في دائرة غير البصريين، وهذه القضية الشرطية كان شرطها مقطوعاً به في الحالة الاُولى، وفي هذه الحالة ليس مقطوعاً به، لكنّ الدّال الأوّل وهو نقل الراوي يدلّ بالدلالة الالتزامية على ثبوت شرطها، ودليل حجّيّة السند قد جعل الدال الأوّل حجّة، والعامّ الثاني لا يمكنه أن ينفي حجّيّة سند العامّ الأوّل مع وجود هذا الخاصّ وإن كان ينفيها بالمعارضة لولا هذا الخاصّ.

ونكتة الفرق بين فرض وجود هذا الخاصّ وعدمه هي: أنّه لولا هذا الخاصّ فكلام الراوي وإن كان يدلّ بالدلالة الالتزامية على القضية المهملة لكنّ كلام الراوي في العامّ الأوّل لا يخصّص كلام الإمام في العامّ الثاني؛ إذ لا معنى لتخصيص كلام شخص بكلام شخص آخر، مضافاً إلى أنّ القضية المهملة ما دامت مردّدة بين المطلقة والجزئية لا تصلح للقرينيّة. إذن فتقع المعارضة بين العامّ الثاني وسند العامّ الأوّل، ولكن بعد ورود هذا الخاصّ نقول: إن هذا الخاصّ يدلّ على قضية شرطية أخصّ من العامّ الثاني، وهي: أنّه إذا ثبت الاستحباب بنحو القضية المهملة فهو ثابت في غير دائرة البصريين، فيتقدّم على العامّ الثاني بقانون قرينيّة الخاصّ للعامّ بعد إحراز شرط القضية تعبّداً بدليل حجّيّة سند العامّ الأوّل، أي: بدليل حجّيّة كلام الراوي الدالّ على كلام الإمام، ولازمه الذي هو ثبوت الحكم بنحو القضية المهملة والعامّ الثاني لا يمكنه أن يعارض نقل الراوي في الحجّيّة؛ لأنّ نقل الراوي يثبت شرط ما هو قرينة على العامّ الثاني ومقدّمة عليه.

الحالة الثالثة والرابعة: أن يكون سنده قطعياً أو غير قطعي، وتكون الإرادة الجدّية لظاهر الكلام بلحاظ أصل الحكم غير قطعية، بل نحتاج في ذلك إلى أصالة الجدّ، وعندئذ فالتعارض بين العامّين مستحكم، والخاص لا يصنع شيئاً في المقام، فإنّ الخاصّ وإن كان يدلّ بالدلالة الالتزامية الواضحة على ما عرفتها من القضية الشرطية، وهي أنّه لو كان هناك استحباب بنحو القضية المهملة لكان في دائرة غير البصريين، لكنّ شرط هذه القضية الشرطية غير ثابت بالقطع ولا بالتعبّد؛ لأنّ قطعية سند العامّ الأوّل أو حجّيّته لا تدلّ بالملازمة على ثبوت القضيّة المهملة، لعدم قطعيّة الدلالة على الاستحباب حسب الفرض.

نعم، اصالة الجدّ تدل على أنّه لو كان هذا الكلام صادراً من الإمام فالاستحباب ثابت،