المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

684

هذا هو تقريب الاستدلال بهذا الحديث.

وأورد على ذلك السيد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بأنّ هذه الرواية وإن دلّت على التخيير، لكنّ موردها هو فرض دوران الأمر بين المحذورين، حيث إنّ أحد الخبرين يأمر والآخر ينهى، والتخيير في مثل ذلك على القاعدة، فهذه الرواية لم تدلّ على شيء جديد يخالف القواعد(1).

ويرد عليه:

أوّلا: أنّ دوران الأمر بين المحذورين الذي تُجرى فيه أصالة التخيير عبارة عمّا لو علمنا بجنس الإلزام وتردّدنا بين الوجوب والتحريم. أمّا إذا شككنا في الوجوب والتحريم معاً فلا إشكال في اجراء البراءة عنهما معاً، فإنْ كان مقصوده ـ دامت بركاته ـ أنّ السائل افترض العلم من الخارج فهذا شيء لم يرد عنه ذكر في هذا الرواية، ولم يفرض سماعة العلم بالإلزام في المقام، بل الغالب في مثل هذه الموارد أنّه كما يحتمل كذب أحد الخبرين أو يعلم به كذلك يحتمل كذبهما معاً. وإن كان مقصوده أنّ جامع الإلزام يثبت بنفس مجموع هذين الخبرين فهذا ليس على طبق القاعدة، وإنّما هو شيء على خلاف القاعدة، تفترض استفادته من الأخبار العلاجية(2).

وثانياً: أنّه لو سلّمنا دوران الأمر بين المحذورين في المقام فليس متى ما دار الأمر بين المحذورين جرت أصالة التخيير، بل إنّما تجري أصالة التخيير إن لم يكن عندنا مرجع من قبيل عموم فوقاني أو استصحاب نرجع إليه، وإلاّ فلا معنىً لأصالة التخيير، فإطلاق هذه الرواية لفرض وجود مرجع من هذا القبيل يرجع إليه بعد تساقط الخبرين يدلّ مثلا على ما


(1) مصباح الاُصول: ج 3، ص 424.

(2) قد تقول: لا فرق في ثبوت التخيير العملي بين فرض العلم بجنس الإلزام وعدمه. وفي الحقيقة ليس للعلم بجنس الإلزام المردّد بين الوجوب والحرمة أثر، فمفاد التخيير في الفرضين أمر واحد.

ولكنّا نقول: إنّ هذا البيان منه (رحمه الله) مبنيّ على مجاراة الأصحاب من افتراض كون أصالة التخيير مضمونها غير مضمون البراءة، وأنّها لا تجري إلاّ لدى العلم بجنس الإلزام والدوران بين الوجوب والتحريم. أمّا لو التفتنا إلى أنّ أصالة التخيير ليس لها مفاد عدا مفاد البراءة غاية الأمر أنّ مفاد البراءة تارةً يكون منشأه عدم البيان، واُخرى يكون منشأه عدم القدرة الذي لافرق فيه بين العلم بجنس الالزام وعدمه، فلا يبقى مجال لتوهّم احتياج ابطال الاستدلال بهذه الرواية على ابراز كونها واردة في مورد دوران الامر بين المحذورين، فانّ الرواية بعد فرض حملها على ما يساوق مفاد البراءة من الواضح عدم دلالتها على المقصود، سواء كانت واردة في مورد دوران الأمر بين المحذورين، أم لا.