المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

685

يقوله المشهور من التخيير عند تعارض الخبرين.

وثالثاً: أنّ التخيير الذي يقوله المشهور في المقام عبارة عن التخيير الاُصولي أو الفقهي، ولذا يبحثون بعد إثبات التخيير عن أنّ هذا التخيير هل هو اُصولي أو فقهي؟

ويقصد بالتخيير الاُصولي التخيير في تعيين الحجّة، فبأيّ الخبرين يأخذ يصبح هو الحجّة. ويقصد بالتخيير الفقهي التخيير في الحكم ابتداءً، فإن شاء أخذ بالوجوب وأسند الوجوب إلى المولى، وإن شاء أخذ بالحرمة وأسندها ألى المولى.

وأمّا التخيير في دوران الأمر بين المحذورين فليس عبارة عن أحد المعنيين، وأنّما هو تخيير عملي. لا تثبت فيه حجّيّة في أحد الطرفين، ولا يمكنه أن يسند إلى المولى الوجوب أو التحريم، وأنّما هو عملا مخيّر بين الفعل والترك.

وعليه نقول: إنّه ـ دامت بركاته ـ لو أراد بالتخيير التخيير الاُصولي أو الفقهي، فهو ليس على طبق القاعدة، ولو أراد به التخيير العملي، أي: إنّه يستفيد من هذه الرواية التخيير العملي، إذن فلا يثبت في الخبرين المتعارضين التخيير الذي يقوله الأصحاب(1) حتّى لو لم يكن مورده مورد دوران الأمر بين المحذورين.

والتحقيق: عدم تماميّة دلالة الرواية في المقام على مختار المشهور؛ لقوّة احتمال كونها في اُصول الدين؛ وذلك لما جاء فيها من التعبير بقوله: (أحد هما يأمر بأخذه) فإنّ الأخذ إنّما يناسب الاعتقاديات، لا الأعمال. وأمّا في الأعمال فينبغي أن يقال مثلا: أحدهما يأمر بفعله والآخر ينهاه عنه، وهذا إن لم يكن قرينة على صرف الرواية إلى الاعتقاديات فلا أقلّ من أنّه يوجب الإجمال، على أنّ دوران الأمر بين الوجوب والحرمة إنّما يكون غالباً في الاعتقاديات. وأمّا في الفروع فهو نادر جدّاً.

ويؤيّد ما ذكرنا قوله: (يرجئه حتّى يلقى من يخبره) أي: يترك هذا الشيء بكلا جانبيه، ولا يلتزم بأحد الاعتقادين حتّى يلقى من يخبره.

ويلتئم مع هذا المعنى قوله: (فهو في سعة حتّى يلقاه) أي: إنّه في سعة من الاعتقاد والالتزام بشيء في المقام، فلا يلتزم بأحدهما حتّى يلقاه. فتفسير السعة بالتخيير إنّما يناسب فرض عدم اختصاص الرواية باُصول الدين. وأمّا إذا استظهرنا اختصاصها باُصول الدين والاعتقاديات فمعنى السعة هو عدم لزوم الالتزام والاعتقاد بأحد الطرفين، وفرض التخيير


(1) يحتمل أن يكون مراد الأصحاب بالتخيير الفقهي التخيير العمليّ البحت.