المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

686

في الاعتقاد غريب على أذهان المتشرعة.

ثمّ إنّه بغضّ النظر عن فرضية اختصاص الرواية بالاعتقاديات توجد في قوله: (فهو في سعة حتّى يلقاه) عدّة احتمالات، على بعضها يتمّ الاستدلال بالرواية على التخيير، وعلى بعضها لا يتمّ:

الاحتمال الاوّل: أن يكون تأكيداً لقوله: (يرجئه حتّى يلقى من يخبره) ويكون معنى قوله: (يرجئه...) أنّه يرجئ تشخيص الواقع إلى أن يرى الإمام مثلا صدفة فيسأله، ولا يجب عليه شدّالرحال مثلا إلى الإمام في مقام تشخيص الواقع، فيكون قوله: (فهو في سعة حتى يلقاه) تفريعاً على الجملة الاُولى تاكيداً لنفس ذلك المعنى، أي: إنّه في سعة من معرفة الواقع حتّى يلقاه، فليس عليه الفحص وشدّ الرحال.

فان استظهرنا هذا الاحتمال قلنا: إنّ هذا الاحتمال أجنبيّ عن التخيير الاُصولي والفقهي كما هو واضح. والرواية بمد لولها اللفظي لا تدلّ أصلا على ما هي الوظيفة العملية عندئذ، وإنّما تدلّ بمدلولها اللفظي على عدم وجوب الفحص. أمّا أنّه عندئذ ماذا يصنع، فغير معلوم من المدلول اللفظي للكلام، لكن بمدلولها المقامي والسكوتي تدلّ على أنّ وظيفته بعد ورود الخبرين كوظيفته قبل ورودهما؛ إذ لو كان لورود الخبرين أثر في وظيفته لكان عليه أن يبيّنه. وهذا ـ كما ترى ـ معناه تساقط الخبرين والرجوع إلى ما يرجع إليه لولاهما. وأين هذا من التخيير الاُصولي والفقهي؟!

الاحتمال الثاني: أن تكون هذه الجملة بياناً لمطلب جديد غير ما في الجملة الأولى، وهو كونه قبل لقاء الإمام في سعة بلحاظ نفس ما هو في ضيق بلحاظه لو لقي الإمام، فهو حينما يلقى الإمام يكون السؤال منه طريقه الوحيد في تشخيص الواقع، لكن قبل لقائه الإمام ليس طريق تشخيص الواقع له منحصراً في سؤال الإمام ولو بشدّ الرحال عليه، بل هو في سعة من ذلك، فله طريق آخر لتشخيص الواقع وهو جعل مفاد أحد الخبرين مشخّصاً للواقع بنحو الحجّيّة التخييرية الاصولية أوالفقهية، فإنْ استظهرنا هذا الاحتمال تمّت دلالة الرواية على التخيير المختار للأصحاب لولا ما مضى منّا من استظهار كون الرواية واردة في خصوص الاعتقاديات، من قبيل الجبر والاختيار، والقضاء والقدر، والبداء، والمشيئة، ونحو ذلك. وأمّا بلحاظ ذلك فتبطل دلالة الرواية على المقصود كما عرفت.

الاحتمال الثالث: أن تكون هذه الجملة بياناً للتخيير العملي من قبيل التخيير العملي عند دوران الأمر بين المحذورين، ومعنى ذلك أنّ المكلف مخيّر بين العمل بمضمون هذه الرواية