المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

688

الواقع يكون ظاهر حاله هو أنّه يجيب بما يرفع الشكّ، لا أنّه يبيّن حكم الشكّ إلاّ في مورد لا يمكنه رفع الشكّ، وذلك كما لو كان السؤال عن الخبرين المتعارضين بشكل عامّ(1).

الوجه الثاني: دعوى عدم المعارضة رأساً بين الخبرين في المقام. إذن فقوله: (موسّع عليك) لا بدّ من حمله على التخيير الواقعي، ولا معنىً للتخيير الظاهري، وذلك بناءً على مبنى المحقق النائيني(رحمه الله) من أنّ الأمر إنّما يدلّ على الطلب وأمّا الوجوب فهو شيء ينتزعه العقل من الطلب عند عدم ورود الترخيص. وعليه فما دلّ على طلب الصلاة على الأرض لا يوجد أي معارضة بينه وبين ما دلّ على الترخيص في الصلاة في المحمل، فإنّ الطلب يجتمع مع الترخيص. نعم، الوجوب لا يجتمع مع الترخيص، لكنّ الطلب لم يكن دليلا على الوجوب بنفسه، وإنّما العقل كان ينتزع الوجوب لولا الترخيص، ومع ورود الترخيص لا ينتزع الوجوب(2).

ومنها: ما رواه الشيخ في الغيبة بسنده عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري في مكاتبة بتوسّط الحسين بن روح إلى صاحب الزمان (عليه السلام): «سألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبيرة، ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوّته أقوم وأقعد، فكتب في الجواب: أنّ فيه حديثين: أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى اُخرى فعليه التكبير. وأمّا الآخر فإنّه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر، ثمّ جلس، ثم قام، فليس عليه في القيام بعد القعود


(1) كلتا هاتين النكتتين لظهور الكلام في بيان الحكم الواقعي واضحة الصحّة لو كانت الرواية واردة عن أحد الأئمّة المتقدّمين(عليهم السلام)، ولكن بما أنّ الرواية واردة عن الإمام الهادي (عليه السلام)وهو من الأئمّة المتأخرين الذين لعلهم كانوا يخططون لعصر الغيبة، فقد يقول قائل: حتّى لو كان سؤال السائل عن الحكم الواقعي فالإمام (عليه السلام)تعمّد الجواب عن الحكم الظاهري بالتخيير بين الروايتين تعليماً لطريقة الاستنباط التي تشتدّ الحاجة إليها لدى عصر الغيبة، ولعلّه لهذا ترى أنّه رغم أنّ السؤال كان عن أنّ الإمام كيف يصنع حتّى يقتدي السائل به، ولكنّ الجواب لم يأتِ بلسان أنّي أصنع كذا، بل جاء بلسان إجازة العمل بأيّ واحدة من الروايتين.

(2) إلاّ أنّ هذا المبنى غير تامّ.

نعم، لا يخفى أنّ الروايتين وإن كانتا متعارضتين على غير مبنى الشيخ النائيني (رحمه الله)لكنّهما قابلتان للجمع العرفي؛ لأنّ رواية النهي عن الصلاة إلاّ على الأرض تدلّ على بطلان الصلاة في المحمل، ووجوب الصلاة على الأرض، ولكنّ رواية الأمر بالصلاة في المحمل تدلّ على جواز الصلاة في المحمل لا وجوبها؛ لأنّها أمر وارد مورد توهّم الحظر، ومن المعلوم أنّ دليل جواز الصلاة في المحمل يكون قرينة عرفية على حمل الأمر بالصلاة على الأرض على الاستحباب. وهذا الجمع العرفي يقتضي عملا أن يكون موسّعاً على المكلف يعمل بأيّ الروايتين شاء؛ لأنّ الأولى تبيّن ما يكفي في الإجزاء، والثانية تبيّن ما هو المستحبّ.