المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

69

النجاسة السابقة، لكن الأمر الأوّل لا يظهر من قوله: «نظرت فلم أرَ شيئاً» فإنّه لا يستفاد من ذلك حصول العلم له بالفحص بعدم النجاسة، وذلك لا لأنّ مجرّد الفحص وعدم الوجدان لا يكشف عن عدم الوجود، وأنّ عدم الوجدان أعمّ منه، فإنّ تطبيق قاعدة أعمّية عدم الوجدان من عدم الوجود في المقام مبتن على التدقيق في حساب الاحتمالات، والإنسان الاعتيادي كثيراً مّا يحصل له القطع أو الاطمئنان بالطهارة بواسطة الفحص وعدم الظفر، باعتبار غلبة كشف عدم الوجدان في أمثال هذه الاُمور الحسّيّة عن عدم الوجود، فهذه العبارة تصلح لأن تكون مُفهِمة لليقين بالطهارة وقرينة عليه فيما لو اعتمد المتكلم على الغلبة المذكورة. ويؤيّد هذا ما ذكره الإمام(عليه السلام) في جواب السؤال الخامس، حيث سأل زرارة: «هل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب بالشكّ الذي وقع في نفسك»، ممّا يدلّ على أنّه(عليه السلام) فهم من النظر والفحص حصول الجزم واليقين.

بل النكتة في عدم تماميّة استظهار الأمر الأوّل من هذه الفقرة هي أنّ مثل هذه العبارة وإن كانت صالحة للتعبير عن فرض حصول اليقين والاطمئنان لكنّها صالحة ـ أيضاً ـ للتعبير عن غير ذلك، باعتبار أنّه ليس دائماً يحصل للإنسان بهذا الفحص العلم بالعدم، بل كثيراً مّا لا يحصل ـ أيضاً ـ العلم بذلك، وذلك إذا لم يعتمد الفاحص على تلك الغلبة المذكورة، فليست العبارة ظاهرة في حصول الجزم والاطمئنان ما لم يعلم أنّ السائل اعتمد على الغلبة المذكورة، فتكون مجملة من هذه الناحية، ففهم حصول العلم للسائل بالعدم يتوقّف على إعمال الغيب في المقام، والمفروض خلافه. وعليه، فيتعيّن كون الفقرة ناظرة إلى الاستصحاب دون قاعدة اليقين.

وبعد هذا يقع الكلام في أنّ ما ذكر في الحديث من الاستصحاب هل هو بلحاظ حال الصلاة أو بلحاظ ما بعد الصلاة، أي: أنّ المقصود من الشكّ الذي لا ينبغي نقض اليقين به هل هو الشكّ في حال الصلاة الذي ينسجم مع فرض حصول العلم بعد الصلاة بوقوعها مع النجاسة، أو الشكّ بعد الصلاة في ثبوت النجاسة حال الصلاة؛ لاحتمال طروّ النجاسة بعدها؟ الصحيح هو الثاني؛ وذلك لما عرفت من أنّ قوله: «نظرت فلم أرَ شيئاً» مجمل من ناحية فرض كونه عالماً بالعدم بواسطة هذا الفحص وكونه شاكّاً، فكما أنّ حمل العبارة على فرض العلم بالعدم يحتاج إلى إعمال العلم بالغيب كما مضى،كذلك حملها على الشكّ يحتاج إلى إعمال العلم بالغيب، فلو حملنا الحديث على الاستصحاب في حال الصلاة لزم عدم اقتناص