المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

699

عن أوّلكم وحديث عن آخركم فبأيّهما نأخذ؟ فقال: خذوا به حتّى يبلغكم عن الحي، فاذا بلغكم عن الحي فخذوا بقوله»(1).

وهذا الحديث قد لا ترد عليه المناقشة الاُولى، وهي الاختصاص بمعلومي الصدور، حيث عبرّ بتعبير (جاء حديث عن أوّلكم) فقد يقال: إنّ هذا معناه فرض حكاية حديث عنهم. وأمّا أنّ هذه الحكاية مطابقة للواقع أو لا فلم يفرض في الرواية فرض العلم بالمطابقة، ولكنّ المناقشه الثانية ترد عليه، فإنّه يقول: (فإذا بلغكم عن الحي) وهذا يستبطن افتراض معاصرة المكلّف للحديث الأحدث.

والسند ضعيف بالمعلّى بن خنيس، واسماعيل بن مرار.

هذا كلّه بناءً على التسليم بأنّ هاتين الروايتين بصدد ترجيح أحد المتعارضين على الآخر بالأحدثية، إلاّ أنّ الصحيح عدم كونهما بصدد بيان ذلك، وإنّما هما بصدد بيان شي آخر.

وتوضيح ذلك: أنّ الخبر الأحدث له ظهوران: أحد هما الظهور في بيان الحكم الواقعي الذي لا يختلف من شخص إلى آخر، والثاني الظهور في بيان الوظيفة الفعلية للسامع التي قد تكون واقعية، وقد تكون بلحاظ التقية، وقد يكذب الظهور الأوّل ويصدق الظهور الثاني، كما في قصّة عليّ بن يقطين مع الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)المعروفة. والمقصود من هذه الروايات هو العمل بالحديث الأحدث بلحاظ الظهور الثاني، وهو بهذا اللحاظ لا معارض له، وإنّما هو مبتلىً بالمعارض بلحاظ الظهور الأوّل.

ويشهد لكون النظر إلى الظهور الثاني لا إلى ترجيح أحد المتعارضين اُمور:

منها: أنّ الترجيح بالأحدثية على خلاف الموازين والارتكازات العرفية، فنفس استبعاد ذلك عرفاً يعطي للكلام ظهوراً في المعنى الذي نحن ذكرناه، وقد فرض في الرواية أنّ الامام (عليه السلام) يسأل الراوي أنّه إذا سمعت منّا الحديثين المتخالفين فماذا تصنع، فالسائل هو يقول: آخذ بالأحدث، والإمام (عليه السلام) يمضي كلامه، وهذا معناه أنّ الحكم لم يكن حكماً على خلاف الارتكاز، بل كان على طبق طبع الراوي، في حين أن الحكم بالترجيح بالأحدثية على خلاف الارتكاز كما بيّنا.


(1) الوسائل: ج 18، ب 9 من صفات القاضي، ح 8، ص 78، وتكملة الحديث ما يلي:

(قال: ثم قال أبو عبدالله (عليه السلام) إنّا والله لا ندخلكم إلاّ فيما يسعكم)، وبحسب طبعة آل البيت ورد الحديث في ج 27 ص 109.