المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

70

الركن الثاني للاستصحاب وهو الشك حال الصلاة من كلام السائل، وهذا بخلاف ما لو حملناه على الاستصحاب فيما بعد الصلاة، فإنّ الشكّ بعد الصلاة مقتنص من قوله: «رأيت فيه» حيث لم يقل: «رأيته فيه» كما صنعه في بعض الفقرات الاُخرى، ممّا يظهر أنّه علم بأصل النجاسة فقط لا بسبقها. إذن فالرواية ظاهرة في الاستصحاب بلحاظ ما بعد الصلاة(1).

ولا يوجد شيء في مقابل هذا الاستظهار عدا القول بأنّ زرارة لو كان مفروضه هو الشكّ في النجاسة في حال الصلاة وعدم العلم بذلك حتّى بعد الصلاة، لم يكن وجه لاستغرابه من صحّة الصلاة وسؤاله للإمام عن علّة الحكم؛ إذ من البعيد جدّاً ـ بلحاظ جلالة مقامه، ورفعة شأنه في اطلاعه على الأحكام والقواعد ـ أنّه لم يكن يعلم بأنّ الحكم عند الشكّ هو الصحّة لأجل الاستصحاب، فيسأل بل يستغرب حينما يأتي الجواب بالصحّة، ويسأل عن علّة ذلك، وهذا بخلاف ما لو حمل على فرض العلم بعد الصلاة بالنجاسة حال الصلاة، فإنّه ـ عندئذ ـ يكون سؤاله عن الحكم واستغرابه الصحّة في محلّه.

ولكنّ التحقيق: أنّ الذي يحدس من مجموع هذه الرواية أنّ زرارة ارتكز في ذهنه ـ ولو بلحاظ سؤاله لفرض النسيان وفرض العلم الإجمالي وإجابة الإمام(عليه السلام) فيهما بالبطلان ـ أنّ النجاسة لها مانعيّة واقعيّة، ومبنيّاً على ذلك ارتكز في ذهنه أنّه لا بدّ للدخول في الصلاة من تحصيل أمارة عرفيّة مثلاً على نفي هذا المانع الواقعيّ، حتّى يكون معتمداً على طريقة


(1) لا يخفى: أنّه لو بنينا على صحّة الصلاة واقعاً في النجس عن جهل فقد يقال: إنّ تعليل صحّة الصلاة بالاستصحاب بلحاظ ما بعد الصلاة مع فرض كفاية ما كان له في حال الصلاة من اليقين بالطهارة أو استصحاب الطهارة بعيد؛ إذ لو كان قد علم بعد الصلاة بوقوع الصلاة في النجاسة لكانت صلاته صحيحة؛ لما كانت لديه في حال الصلاة من طهارة خيالية أو استصحابية، فلماذا تعلّل صحّة الصلاة بالاستصحاب الجاري بلحاظ ما بعد الصلاة؟

ولكن قد يقال بالمقابل: إنّ المصحّح للصلاة هو الجامع بين إحراز الطهارة أو عدم النجاسة في داخل الصلاة ولو خياليّاً أو ظاهريّاً، وإحراز ذلك بعد الصلاة على فرق بينهما، وهو أنّ الأوّل لو انكشف خلافه بعد الصلاة لم يضرّ ذلك بالحكم بالصحّة على ما هو المستفاد من بعض الروايات من صحّة الصلاة لدى الجهل بالنجاسة، في حين أنّ الثاني لو انكشف خلافه بطلت الصلاة؛ إذ لا دليل على كفاية إحراز خيالي أو ظاهري بعد الصلاة آناً مّا، ومع انكشاف الخلاف فإذا كان المصحّح للصلاة هو الجامع بين الأمرين كان من حقّ الإمام(عليه السلام) أن يعلّل صحّة الصلاة بأيّ فرد شاء من فردي هذا الجامع، وقد علّلها بالفرد الثاني.

أو يقال: إنّ المصحّح للصلاة هو الجامع بين الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية أو الخيالية حين الصلاة، وإنّ الفرد الأوّل وهو الطهارة الواقعية أكمل الفردين، فالإمام(عليه السلام) تمسّك لإثبات صحّة الصلاة بإثبات الفرد الأوّل إثباتاً ظاهرياً بعد الصلاة.