المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

71

عقلائية في مقام إحراز القيد الدخيل في صحّة الصلاة، ولهذا فرض في الفقرة الثالثة أنّه حينما ظنّ بالإصابة فحص ولم يرَ شيئاً، فدخل في الصلاة، أي: أنّه إنّما صلّى على أساس هذه الأمارة العرفية، وهي الفحص وعدم الظفر. وعليه انفتح باب السؤال عن أنّه لو فرض أنّ هذه الأمارة سقطت عن الأماريّة بعد الصلاة، بأن رأى النجاسة بعد الصلاة فاحتمل كونها نفس ما كان يفحص عنه، فإنّه في مثل هذا الفرض يسقط عادة الفحص السابق عن الأمارية، فماذا يصنع؟ هل تصحّ الصلاة مع أنّ الأمارة التي كان المركوز في الذهن أنّه لا بدّ منها للدخول في الصلاة سقطت عن الأماريّة بعد الصلاة، أو لا؟ فسأل عن ذلك، فأجاب الإمام(عليه السلام) بأنّ الصلاة صحيحة؛ لأنّ ما كان هو الوجه في صحّة الصلاة لم يكن في الحقيقة هو الفحص الزائل أماريّته، بل هو الاستصحاب. وأمّا مسألة كون زرارة عارفاً بالأحكام والقواعد، فكيف يعقل أن يسأل بل يستغرب الحكم بالصحّة مع فرض الشكّ وعدم العلم حتّى بعد الصلاة؟ فجوابها: أنّ زرارة بالتدريج أصبح عارفاً بالأحكام والقواعد، ولا ندري تأريخ سؤاله للإمام(عليه السلام) عن هذه المسألة، وأنّه هل وقع بعد صيرورته عارفاً بالأحكام وعالماً جليلاً، أو قبلها. وتشهد لعدم اطّلاعه على القواعد وعدم استيعابه لأحكام من هذا القبيل عند صدور هذه الرواية جملة من أسئلته في نفس هذه الرواية، كسؤاله عن فرض الشكّ البدوي في النجاسة، وأنّه يجب الفحص أولا، مع أنّ من الواضح فقهياً عدم وجوب الفحص، وكسؤاله عن أنّه لو علم إجمالاً بنجاسة موضع من ثوبه فماذا يصنع، مع وضوح أنّه لا بدّ من غسل أطراف العلم الإجمالي، وكسؤاله عن الصلاة في الثوب مع علمه إجمالاً بنجاسة موضع منه، مع وضوح بطلان هذه الصلاة، وأنّه لا يصحّ له من أوّل الأمر الدخول فيها.

وقد تلخّص ممّا ذكرناه: أنّ الظاهر من هذا الحديث هو فرض كونه شاكّاً في النجاسة وغير عالم بها حتّى بعد الصلاة.

ومن هنا يتبيّن أنّه لا موضوع للإيراد المشهور على الرواية من أنّه ليست إعادة الصلاة في المقام نقضاً لليقين بالشكّ، وإنّما هي نقض لليقين باليقين؛ لأن المفروض أنّه تيقّن بعد الصلاة بالنجاسة، فكيف علّل الإمام(عليه السلام) الصحّة وعدم الإعادة بمسألة عدم جواز نقض اليقين بالشكّ؟

نعم، بناءً على التفسير المشهور للرواية من حملها على فرض العلم بعد الصلاة بالنجاسة في حال الصلاة يكون لهذا الإشكال مجال، وعند ئذ يقع الكلام في جهات ثلاث: