المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

713

وأمّا اذا استحكم التعارض في المرتبة الأولى فعندئذ تصل النوبة في نظر العرف إلى الجمع والعلاج في المرتبة الثانية، وهي ظهورها في المراد الجدّي، فيقدّم الصريح على غير الصريح في هذه المرتبة، كما كان يصنع في المرتبة السابقة، وما خالف العامّة صريح في عدم التقية بخلاف ما وافق العامة، فيجعل العرف ورود ما خالف العامّة قرينة على كون ما وافق العامّة تقية، وهذا جمع عرفي تقتضيه سيرة العقلاء مع متكلّم يتعرّض عادة لمشاكل التقية.

إلاّ أنّ هنا إشكالا أوردوه على الجمع بالحمل على التقية، وهو أنّنا في سائر موارد الجمع الدلالي نقول: إنّ دليل الحجّيّة العامّ إنّما دلّ على الأخذ بكل خبر بعد لحاظ جميع قرائنه المتّصلة والمنفصلة، فإذا كان بين الخبرين المتعارضين جمع دلالي كما في العامّ والخاصّ لم يقع أيّ تعارض بين الحجّيّتين، لأنّ اطلاق دليل الحجّيّة إنّما دلّ على حجّيّة العامّ بعد تحكيم كلّ ماله من قرائن متّصلة ومنفصلة، والمفروض أنّ الخاصّ قرينة منفصلة، فدليل الحجّيّة إنّما دلّ على حجّيّة العامّ فيما عدا مقدار الخاصّ، وفي طرف الخاصّ أيضاً إنّما دلّ إطلاق دليل الحجّيّة على حجّيّة الخاصّ بعد تحكيم القرائن فيه، إلاّ أنّه لم ترد قرينة على خلافه، فصار الخاصّ بمدلوله الأوّلي حجّة، ولا تعارض بين حجّيّة العامّ فيما عدا مورد الخاصّ وحجّيّة الخاصّ كما هو واضح، ولهذا لم تسرِ المعارضة من الدلالة الى السند. وأمّا في مورد الحمل على التقيّة فإذا حمل أحد الخبرين على التقيّة وعدم الجدّ كان معنى ذلك سقوطه عن الحجّيّة رأساً؛ اذ لا معنى لحجّية مالا يكون الّا كلقلقة اللسان، اذن فهو مع معارضه لا يجتمعان في الحجّيّة، أي: إنّه استحكم التعارض في السند.

وهذا الإشكال غير صحيح؛ لأنّ الحجّيّتين وإن لم يمكن اجتماعهما، لكن لا يقع التعارض بينهما، بل حجّيّة الخبر المخالف للعامّة: تحكم على حجّيّة الخبر الموافق، وترفع موضوعها بعد تسليم أصل قرينية ما خالف العامّة ـ بغضّ النظر عن هذا الإشكال ـ؛ وذلك لأنّ موضوع الحجّيّة مركّب من جزءين: أحدهما ما صرّح به في لسان دليل الحجّيّة، وهو وثاقة الراوي والثاني ما يستفاد بقرينة لبّيّة هي صون كلام الحكيم عن اللغوية، وهو وجود أثر في المقام حتّى لا تلغو الحجّيّة، والمفروض أنّ الخبر الموافق للعامة بعد تحكيم قرينته المنفصلة وهي المخالف لهم، وحمله على التقية لا يبقى أثر لحجّيّته، أي: يرتفع موضوع الحجّيّة فيه.

وبالإمكان أن ننقض على أصحاب هذا الإشكال بما اذا اقتضى الجمع الدلالي حمل أحد الخبرين على غير الحكم الشرعي، وبما إذا كان أحد الخبرين ناظراً إلى الخبر الآخر ومفسِّراً له بالتقية، كما لو ورد عنه(عليه السلام): أنيّ كنت في الكلام الفلاني متّقياً، فانّه لا إشكال في هذين