المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

719

المرفوعة، بينما قدّمت الصفات على الشهرة في المقبولة:

أمّا الكلام في الشهرة فقد أفاد بعضهم كالسيد الاُستاذ(1) ـ على ما أتذكر ـ وغيره أنّ الترجيح بالشهرة في هاتين الروايتين ليس ترجيحاً بالمعنى المقصود، وإنّما هو تمييز للحّجّة عن اللاحجّة؛ وذلك لأنّ الشهرة معناها هو الوضوح، والتواتر، والاستفاضة، ونحو ذلك، فيسقط الآخر عن الحجّيّة؛ لأنّ من شرط حجّيّة خبر الواحد عدم المعارضة لدليل قطعي.

وتوضيح الحال في ذلك: أنّ الخبر يستبطن أمرين: حكاية الراوي والكلام المحكي، والاشتهار تارةً يضاف إلى جنبة حكاية الراوي، واُخرى إلى جنبة الكلام المحكي، فإذا اُضيف إلى المحكي كان الاستفاضة والتواتر في النقل، وكان ذلك تمييزاً للحجّة عن اللاحجّة، وإذا اُضيف إلى الحكاية ورواية الراوي بماهي خبر، فالمقصود ليس هو اشتهار نقل الرواة هذا الخبر عن الراوي؛ لأنّ المفروض أنّه هو سمعها من الراوي، فالمقصود بالاشتهار عندئذ هو أخذ هذا الخبر عند الأصحاب بعين الاعتبار والاهتمام به في مقابل أن يُرمى عندهم بالشذوذ، ويطرح، ولا يعتنى به، من قبيل ما يقوله الطوسي أحياناً من أنّ الرواية الفلانية شاذة، أي: حصل في الأوساط الفقهية نحو انقباض عنه ونحو ذلك، فعلى هذا تكون الشهرة مرجّحة تعبّدية، ويمكن أن يدعى ان هذا المعنى من الشهرة هو الظاهر من المرفوعة، فقد اُضيفت الشهرة فيها الى نفس الحكاية وذلك بقرينتين:

1 ـ أنّه بعد ذكر الترجيح بالشهرة فرض السائل شهرتهما معاً، فلو حملت الشهرة على المعنى الأوّل كان معنى ذلك قطعية كليهما، ومعه لا يبقى مجال عرفي للترجيح بالأعدلية والأوثقية، فإنّه لا أثر لذلك مع فرض قطعية كلا الخبرين وتواترهما.

وهذه القرينة تامّة ولا يوجد فيها إلاّ دغدغة واحدة قابلة للدفع، وحاصلها: أنّ الشهرة حينما توجد في إحدى الروايتين فقط توجب القطع بالصدور، ولكن حينما تصبح الشهرة فيهما معاً حصل التزاحم بينهما، فلا توجب القطع.

وهذه الدغدغة جوابها: أنّ هذا صحيح لو كان من البعيد في نفسه بحسب وضع الإمام أن تصدر منه الكلمات المتعارضة، كما هو الحال في فقيه غير مبتلىً بالتقيّة في فتاواه، ولكن بعد أن كان هذا الشيء اعتيادياً للإمام فلا تضعف درجة الاطمئنان ضعفاً معتدّاً به.

2 ـ إنّه بعد فرض شهرة كليهما قال: (خذ بما يقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك)،


(1) راجع مصباح الاُصول: ج 3، ص 411 ـ 413.