المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

720

فلو كان معنى الشهرة حكاية جمع كثير لهذه الرواية عن الإمام لكان ينبغي أن يقول: خذ بأوثق الطائفتين، وظاهر قول الإمام وزرارة فرض راويين شخصيّين، وتقديم رواية أوثقهما، لا طائفتين من الرواة، ولذا عبّر الإمام (عليه السلام) بقوله: (خذ بما يقول أعدلهما وأوثقهما) وعبّر زرارة بقوله: إنّهما معاً عدلان مرضيان.

وأمّا المقبولة فاحتمال كون المقصود بالشهرة فيها الشهرة المضافة إلى المحكي احتمال مقبول، حيث قال: (فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقاة عنكم) فهذا ظاهر في الشهرة المضافة إلى المحكي، وليست فيه إلاّ دغدغة واحدة، وهي: أنّه لو كانت الشهرة بهذا المعنى لكان ينبغي جعلها المرجّح الأوّل، وتذكر قبل الصفات، بينما جائت في المقبولة بعد الصفات، فينبغي حمل الشهرة على ما لا يساوق القطع واليقين.

وهذا الإشكال لا يتمّ بناءً على ما سوف يأتي ـ إن شاء الله ـ من أنّ الترجيح بالصفات في المقبولة ترجيح لأحد الحكمين على الآخر، لا لإحدى الروايتين على الاُخرى. وأمّا بناءً على كونه ترجيحاً للرواية فلا جواب على هذا الإشكال، إذ لا معنى لترجيح رواية الأوثق على الرواية المشهورة بمعنى الشهرة المضافة إلى المحكي، إلاّ أن يقال: إنّ معنى الترجيح بالأوثقية لأحد الخبرين على معارضه المشهور هو كون وثاقته فوق مجموع وثاقات الرواة المتعدّدين للرواية المشهورة، أي: إنّ احتمال كذب راوي هذا الخبر أبعد عن احتمال كذب تمام رواة ذاك الخبر، وفي مثل هذا الفرض يكون تقديم الترجيح بالصفات على الشهرة شيئاً مقبولا.

وقد تحصّل بكلّ ما ذكرناه: أنّ الترجيح بالشهرة يستفاد من المرفوعة، ولا يستفاد من المقبولة.

وأمّا الكلام في الصفات: فالاستدلال على الترجيح بها بالمقبولة يعترض عليه باعتراضين:

الاعتراض الأوّل: أنّها واردة في مورد الّتمكن من لقاء الإمام، فكّل الأحكام المذكورة فيها مختصّة بهذه الصورة، ولا تشمل زمان الغيبة او البعيد عن الإمام غير المتمكن من رؤيته، ففي ذلك نرجع الى المطلقات، والقرينة على اختصاصها بمورد التمكّن من لقاء الإمام ما جاء في آخر الرواية من قوله: (أرجئه حتّى تلقى إمامك).

ويرد عليه أوّلا: أن الحكم في قوله: (أرجئه حتّى تلقى إمامك) وإن كان بقرينة جعل لقاء الإمام غايةً مختصاً بصورة التمكّن من لقائه، لكن لا يلزم من ورود قيد على الخطاب الأخير