المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

726

عن المتعارضين: خذ بأشهر الحديثين المتساويين في الصدق، قال: فإن كانا متساويين في الشهرة، قال: خذ بأصدقهما، فالترتيب العكسي ليس محذوره فقط تقييد الإطلاق، بل فيه محذور إضافي وهو لزوم كون الكلامين واردين في موضوعين، وهذا خلاف الظهور العرفي، لا الإطلاق، فنرفع اليد عن كلّ من الإطلاقين بالظهور العرفي. وإن شئتم قلتم: إنّ الكلام الثاني قرينة على أنّ موضوع كلامه الأوّل قابل لأن يفرض فيه أحدهما أصدق والآخر غير أصدق. وهذا لا يلائم مع الترتيب العكسي. فبهذا تثبت عرضية المرجّحين بعد تقييد إطلاق كلّ منهما بظهور الآخر(1) وهذا بحسب الوجدان العرفي ـ أيضاً ـ لا ينبغي التشكيك فيه، فحينما نرى أنّ الإمام (عليه السلام) مرّة يبدأ بهذا واُخرى يبدأ بذاك نعرف عرفاً أنّه ليس النظر إلى الترتيب.

 

المادة الثانية للتعارض بين المقبولة والمرفوعة: أنّه في الصفات، التي فرضت مرجّحاً فيهما وقع الاختلاف بينهما في نوعية هذه الصفات، ففي المقبولة وجدت أربع صفات: الأعدلية، والأفقهية، والأصدقية في الحديث، والأورعية. وإذا أرجعت الأورعية إلى الأعدلية باعتبار أنّ الأعدلية يراد بها شدّة الاستقامة في جادّة الشرع، ولا يراد بالأورعية أزيد من هذا، فهما متساويان في المراتب، رجعت الأوصاف الى ثلاثة.

وأما في المرفوعة فذكر الأعدلية، والأوثقية، فإذا أرجعنا الصفات التي في المقبولة إلى ثلاث صفات زادت المقبولة على المرفوعة بلحاظ الأفقهية، فإنْ فرضنا أنّ مرجّحات المقبولة الوصفيّة مرجّحات للحاكم فلا تعارض بينهما من هذه الناحية. وأمّا لو قيل بأنّها مرجّحات للرواية فإن استفيد من المقبولة والمرفوعة إلغاء الخصوصيات، وأنّ ما هو مذكور من الصفات يكون من باب المثال، وأنّ المقصود الأخذ بما فيه مزية تقرّب إلى الواقع، فلا تعارض بينهما أيضاً، فإنّ الفقاهة والفهم ضمان صحّة الرواية، لأنّها غالباً تنقل بالمعنى، وإن لم نقل بإلغاء الخصوصية فيهما، وقع التعارض بلحاظ الأفقهية، وأيضاً يحصل التعارض لو


(1) أوردت عليه (رحمه الله) بأنّه بناءً على العرضية ـ أيضاً ـ يكون موضوع الحكم بالترجيح بالمزية الأولى مقيّداً بعدم اتصاف معارضة بالمزية الثانية. فأجاب بانّ الموضوع عرفاً عند عرضية المرجّحين هو ذات الروايتين، وكأنّ الكلامين واردان على موضوع واحد، والفرق هو أنّ المزية الثانية بناءً على الترتيب العكسي ترفع ثانية الترجيح بالمزية الاُولى، وبناءً على العرضية إنّما لا يمكن فعلية الترجيح للتعارض، وإلاّ فمقتضي الترجيح تامّ من كلا الجانبين.