المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

737

المتعلّق بالجامع نحو صرف الوجود لا يسري إلى الأفراد.

إذا عرفت ذلك قلنا: إن الغرض المرغوب فيه في باب الوجوب التخييري يحصل بتعلّق الوجوب بالجامع على نحو صرف الوجود، فإنّه وإن كان لا يسري إلى الأفراد لكنّه مع ذلك يبعث المكلّف نحو الإتيان بفرد من الأفراد؛ لأنّ الجامع لا يتحقّق إلاّ بذلك.

وأمّا في باب التخيير في الحجّية فالغرض المرغوب فيه لا يتحقّق بتعلّق الحجّية بالجامع بين الخبرين. وتوضيح ذلك: أنّ الخبرين تارةً نفرض أنّهما بين النفي والاثبات، فأحدهما يوجب والآخر ينفي الوجوب. واُخرى نفرض أنّهما معاً يوجبان، فأحدهما مثلا يدلّ على وجوب صلاة الظهر، والآخر على وجوب صلاة الجمعة، ففي الأوّل غاية ما يستفاد من حجّية الجامع بين الخبرين العلم التعبّدي بالجامع، والعلم التعبدي بالجامع ليس بأحسن حالا من العلم الوجداني بالجامع، ومن الواضح أنّ العلم الوجداني بالجامع بين الإلزام وعدم الإلزام لا أثر له، فكيف بالعلم التعبدي. وفي الثاني غاية ما يستفاد من حجّية الجامع العلم التعبّدي بالجامع بين الوجوبين، فغاية ما هناك أن يفيد فائدة العلم الوجداني بذلك وهي لزوم الاحتياط، في حين أنّ الأثر المرغوب فيه للحجّية ليس هو الاحتياط، وإنّما هو أن يأخذ المكلّف بأحد الحكمين، ويكون هو الحكم الثابت عليه، ويعمل به بما هو حكم ثابت عليه، لا أنّه يعمل به من باب الاحتياط(1).

وأمّا التخيير في الحجّية بالشكل الثاني أعني التخييرين المشروطين بنحو لا يلزم من ذلك فعلية كلتا الحجّيتين في بعض الأحيان، فهذا أمر معقول، ويجب أن نفتّش عن ذاك الشرط الذي يجعل الحجّية تخييرية، وفي نفس الوقت لا يوجب الجمع بين كلتا الحجّيتين في بعض الأحيان، وقد جعلوا ذاك الشرط عبارة عن الالتزام بأحد الخبرين، فكل خبر التزم به كان هو الحجّة عليه، ويجب عليه الالتزام بأحدهما كي يخرج عن عهدة الواقع، وبما أنّ العاقل لا يعقل التزامه بكلا الخبرين المتعارضين فلا يتّفق الجمع بين الحجّيتين في حقّه.


(1) كأنّ المقصود: أن حجّية الجامع إمّا أن يقصد بها ثبوت الجامع بالمعنى الذي يسري أثره إلى تمام الأفراد كما يقال بذلك في العلم الإجمالي بالجامع، وهذا لازمه وجوب الاحتياط بالجمع بين الصلاتين مثلاً، وهو خلف المقصود.

وإمّا أن يقصد بها كون الحجّية، بمقدار الجامع فلا يتنجّز إلاّ مقدار الجامع. وهذا لازمه الاتيان بأحدهما، لا بالبناء على وجوبه بخصوصيته؛ لأنّه لم تتمّ الحجّة عليه بخصوصه، و إنّما تمّت الحجّة بمقدار الجامع، وهذا خلف مايريدونه من نتيجة الحجّية الاُصولية، وهي الانتهاء إلى ثبوت الفرد الذي يختاره بخصوصيّته، لا مجرّد الثبوت بمقدار الجامع.