المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

738

وهذا الذي ذكروه أمر معقول ومتين وإن كان فيه شيء من الغرابة باعتبار أنّ الالتزام لم يكن واجباً في الأخبار غير المبتلاة بالمعارض، فكيف بالأخبار المعارضة مع أنّ الالتزام إنّما هو في طول الحجّية، فكيف صارت الحجّية في طول الالتزام، والالتزام قبل الحجّية نوع تشريع.

ويمكن تفادي هذه الاستغرابات، وذلك بتبديل الشرط، وذلك بأن يقال: إنّ المولى جعل أحد الخبرين حجّة وهو الخبر الذي سوف يختار المكلف(1) أن يكون حجّة له، كما يمكن فرض إعطاء الشارع أمر تشريع إحدى الحجّيتين بيد المكلّف، فهو الذي يشرعّ لنفسه أيّاً من الحجّيتين شاء، إلاّ أنّ هذا يستبطن غرابة تجويز التشريع.

وأمّا التخيير الفقهي، فتصويره واضح، وذلك عبارة عن ترخيص المولى للعبد في أيّ عمل لا يكون منافياً لكلا الخبرين دون ما يكون مخالفاً لهما معاً.

وأمّا الجهة الثانية: فيمكن إثبات التخيير الاُصولي الذي هو المحتاج إلى مؤونة زائدة على التخيير الفقهي بأحد تقريبات ثلاثة:

التقريب الأوّل: يختصّ ببعض ألسنة روايات التخيير، وهو اللسان المشتمل على الأخذ من قبيل قوله: (بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً)(2) وهو أن يقال: إنّ الأخذ يشمل بإطلاقه الأخذ العملي والأخذ المفادي، أي الأخذ بمفاد الخبر، والالتزام به، واختياره للحجّية، وما شابه ذلك من التعبيرات. والتوسعة في الأخذ المفادي مساوق للحجّية الاُصولية.

وهذا التقريب لا يأتي في لسان آخر من قبيل قوله: (موسّع عليك حتّى ترى القائم) ولا يقال: إنّ السعة بإطلاقها تشمل السعة في العمل والسعة في الأخذ بالمفاد، فإنّ السعة بحسب المفهوم العرفي تكون في مقابل الضيق، ولا ضيق عرفاً في عدم التخيير الاُصولي، وعدم صحّة الالتزام بمفاد معيّن، وإنّما الضيق يكون في الاحتياط العملي، فالسعة معناها رفع الضيق العملي وهو التخيير الفقهي.


(1) لا يخفى أن هذا وإن كان يرفع مشكلة التشريع؛ لأنّ اختيار المكلّف يكشف بنحو الشرط المتأخّر عن ثبوت الحجيّة سابقاً، ولكن الحجّية أصبحت على أيّ حال في طول الالتزام، وأصبح الالتزام الواجب أمراً ثابتاً في الرتبة السابقة على الحجّيّة، في حين أنّه لم يكن الالتزام في موارد خبر الثقة الخالي عن المعارض واجباً، وكان الالتزام هناك في طول الحجّية كما هو المترقّب عادةً لا العكس. وهذان أمران غريبان، لا يمكن تصوير رفعهما.

(2) وهذا هو الحديث الذي أتممناه سنداً ودلالة على التخيير.