المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

739

التقريب الثاني: يشمل كلّ ألسنة أدلّة التخيير، وهو أنّ أدلّة التخيير ناظرة إلى رفع النقص الموجود في أدلّة حجيّة خبر الثقة، وكمتممّ جعل بالنسبة لتلك الأدلّة التي نقصها أنّها لا تشمل الخبرين المتعارضين.

اذن فالمستفاد منها عرفاً هو الحجّية التخييرية، لا مجرّد التخيير في العمل(1).

التقريب الثالث: أنّ أخبار التخيير حتّى إذا لم تدلّ على التخيير الاُصولي يمكن ضمّها إلى دليل حجّية خبر الثقة إذا كان لفظياً له إطلاق، فنثّبت بمجموعهما التخيير الاُصولي. وتوضيح ذلك: أنّ دليل حجّية خبر الثقة إنّما كان لا يشمل المتعارضين، لأنّ شموله لهما معاً غير ممكن، وشموله لأحدهما بالخصوص ترجيح بلا مرجّح. وأمّا التمسّك بإطلاقه لإثبات حجّية مشروطة بالالتزام في كلّ واحد من الطرفين فعيبه أنّه معارض لدلالة إطلاقه على الحجّيّة المطلقة في الطرف الآخر، ولكن أخبار التخيير قد أسقطت هذا الإطلاق؛ لأنّ التخيير سواء كان اُصولياً أو فقهياً لا يجتمع مع الحجّيّة المطلقة لأحد الطرفين، فنتمسّك بإطلاق دليل حجّيّة خبر الثقة لإثبات حجّيّتين مشروطتين.

فإن قلت: إنّ دليل حجّيّة خبر الثقة مبتلى بالإجمال؛ للتعارض الداخلي بين الحجّيّة المشروطة لطرف والحجّيّة المطلقة للطرف الآخر، وأدلّة التخيير قرينة منفصلة، والقرينة المنفصلة لا ترفع الإجمال.

قلت: إنّ دليل حجّيّة خبر الثقة له ظهور في قضية شرطية، وهي الحجّيّة المشروطة في كلّ طرف على تقدير عدم الحجّيّة المطلقة في الطرف الآخر، والشرط قد ثبت بأخبار التخيير(2).

 


(1) فهذه الحجّية تصحّح الالتزام والاسناد إلى الله كما هو الحال في حجّية الخبر غير المبتلى بالمعارض بناءً على قيامها مقام القطع الموضوعي.

(2) لا يخفى أن التخيير الاُصولي لا يجد مضمونه لو لم تترتّب عليه ثمرة زائداً على أصل التخيير العملي الذي هو التخيير الفقهي، وتلك الثمرة عبارة عن جواز إسناد ما يختاره إلى الله، وهذه الثمرة تتوقّف على الإيمان بقيام الحجّة التعبّديّة مقام القطع الموضوعيّ المحض، ونحن لا نؤمن بذلك؛ لأنّ الوجه في قيامها مقام القطع الموضوعي المحض أحد أمرين: إمّا الإيمان بالعلم الاعتباريّ الذي يقول به المحقق النائيني(رحمه الله)، وهذا مالم نؤمن به، وإمّا الاستظهار من مثل: (ليس لأحد التشكيك فيما يروي عنّاثقاتنا) بناءً على أنّ هذا يعني ترتيب تمام آثار القطع وعدم الشكّ. إلاّ أن هذا ـ أيضاً ـ منصرف إلى آثار المرويّ، فلا يدلّ على أكثر من ترتيب آثار القطع الطريقي، وآثار القطع الموضوعيّ الطريقي دون الموضوعيّ المحض.