المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

74

اقترانه بأمارة عقلائية توجب ذلك، وهي التهافت وعدم الانسجام بين الجواب والسؤال، وفي مثل ذلك يخرج الإخبار عن تحت دليل الحجّيّة؛ إذ لا يكفي عندنا وثاقة الراوي، بل لا بدّ من موثوقيّة الرواية على ما نقّحناه في بعض أبحاثنا(1) من أنّ وثاقة الراوي لوحظت بنحو الطريقية والآلية نحو موثوقية الخبر، ونحن لا ندري هل الحديث بعد فرض إصلاح ذلك الخلل يبقى ظاهراً في الاستصحاب أو لا؟ إذن هذا الإشكال على تقدير العجز عن جوابه يسقط الحديث عن قابليّة الاستدلال به على المقصود.

لا يقال: إنّ غاية ما يفرض هنا هو وجود خلل بالنسبة إلى ظهور الكلام في العلم بسبق النجاسة. وأمّا ظهوره في الاستصحاب فهو باق على حاله من كونه مجرىً لأصالة صحّة شهادة الراوي بعدم الخلل فيه، فإنّ شهادة الراوي بعدم الخلل تنحلّ بعدد الظهورات في المقام، ولا يمكن فرض العكس، بأن يكون الخلل في خصوص الظهور الاستصحابي؛ لأنّ الإشكال وارد حتّى على فرض حمل الحديث على القاعدة.

فإنّه يقال: إنّ هذا الكلام غير صحيح، لا لأنّه كمايحتمل كون الخلل في ظهور الكلام في العلم بسبق النجاسة دون غيره كذلك يحتمل كونه في دلالة الكلام على استفادة قاعدة في فرض الشك راساً، سواء كانت هي الاستصحاب أو قاعدة اليقين، كي يقال في الجواب: إنّ كون الرواية في مقام بيان قاعدة ظاهريّة لا يمكن إنكاره، وليست قابلة لغير هذا الفرض ولو بضمّها إلى قرينة تغيّرُ مفادها؛ بل لأنّ العرف غير مساعد على هذا الانحلال في شهادة الراوي والأخذ بإحدى الشهادات دون الاُخرى، فمهما كان عندنا ظهوران وحصل العلم بخلل في أحدهما المعيّن، واحتملنا أنّ ذاك الخلل لو صحّح بإرجاع ما سقط مثلاً كان هذا الساقط من طرف هذا الظهور مؤثّراً في الظهور الآخر أيضاً، ومع وجوده ينتفي كلا


(1) قد يقال: حتّى لو اكتفينا بوثاقة الراوي لا يمكننا هنا الأخذ بشهادة الراوي؛ وذلك لأنّ أصالة صحّة شهادته معارضة بأصالة الظهور؛ إذ لو صحّت شهادته لزم من ذلك ارتكاب مخالفة الظاهر في المقام؛ لأنّ قوله: «رأيت فيه» ظاهر حسب الفرض في العلم بسبق النجاسة، فإجابة الإمام(عليه السلام) بجواب لا ينسجم إلاّ مع الشكّ في سبق النجاسة إنّما يكون على أساس إعمال الغيب والاطّلاع على أنّ مراده كان ذلك، وهذا خلاف الظاهر، وبعد التساقط والتعارض لا يبقى عندنا دليل على صحّة شهادة الراوي، وبالتالي يبقى احتمال الخلل بلا مؤمّن، ومن المحتمل كون ذلك الخلل دخيلاً فيما هو المقصود، فيسقط الحديث عن الاستدلال به.

وذكر(رحمه الله) في مقام التعليق على هذا الوجه: أنّه إن حصل لنا العلم والاطمئنان بأنّه(عليه السلام) لم يعمل علم الغيب في المقام فهنا نجزم بالخلل، لا أنّه يحصل تعارض بين الأصلين، وإلاّ فأصالة عدم الخلل مقدّمة على أصالة الظهور؛ لأنّ العقلاء يرون حجّيّة الظهور بعد الأخذ بكلّ ما في المقام من قرينة أو معارض ونحو ذلك بعين الاعتبار.