المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

740

وأمّا الجهة الثالثة: فلو قلنا بالتخيير الفقهي فلا إشكال في أنّ الفقيه إنّما يفتي بالتخيير، فإنّ الحكم التكليفي العملي إنّما هو التخيير، فيفتي به.

أمّا لو قلنا بالتخيير الأصولي فاختار الفقيه أحد الخبرين، فهل يفتي هو بالتخيير الاُصولي أو يفتي بمفاد الخبر الذي اختاره؟

التحقيق: أنّ إفتاءه بالتخيير الاُصولي لا عيب فيه، عدا ما يقال من أنّ الأحكام الاُصولية مختصّة بالفقية، ولا تثبت للعامي؛ لأنّها تحتاج إلى خبرة وبصيرة غير موجودتين في العامي، ولكنّنا قد أبطلنا هذه الشبهة في أوّل المباحث العقلية، إذن فيجوز الإفتاء بالتخيير الاُصولي.

وأمّا إفتاؤه بمفاد الخبر الذي اختاره فبما هو إخبار بحكم الله لا إشكال في جوازه، حيث إنّ الخبر الذي اختاره صار حجّة له، فقد ثبت بالحجّة ذلك الحكم، فيخبر به(1)، ولكنّ صحة افتائه بمعنى كونه حجّة على المقلّد محل إشكال عندي؛ وذلك لأنّ التقليد ليس أمراً تعبّدياً صرفاً، وإنّما هو بملاك رجوع الجاهل إلى العالم، ورجوع غير أهل الخبرة إلى أهل الخبرة، وافتاؤه بمفاد هذا الخبر ليس على أساس علم وخبرة، وإنّما على أساس اشتهاء شخصي، فلا معنىً للرجوع إليه، فيكون حال العامي حال الفقيه في أنّه يختار أيّ الخبرين شاء، فقد يختار غير ما اختاره الفقيه.

 

 

 

 


على أنّ ما مضى من غرابة وجوب الالتزام وغرابة كون الحجّيّة في طول الالتزام دون العكس لعلّه يكفي في صرف ظهور دليل التخيير إلى التخيير الفقهي الذي لا غرابة فيه.

ثمّ إنّ التخيير الفقهي يكون من ثمراته وضوح إجزاء الخبر الأوّل في الأعمال السابقة ولو عدل منه إلى الخبر الثاني بناءً على استمرارية التخيير؛ وذلك لأنّه معنى التخيير الفقهي، لأنّ المنجّز عليه إنّما هو قدر الجامع بين الخبرين، وقد أتى بالجامع ضمن العمل بالخبر الأوّل، فلا معنىً لعدم الإجزاء، في حين أنّه قد يقال في التخيير الاُصولي: إنّه لو عدل إلى الخبر الثاني فقد أصبح الخبر الثاني حجّة له بكلّ خصوصيّاته، ومن خصوصيّاته أنّه يرى مضمون الخبر الأوّل باطلا، ومعه لا يثبت الإجزاء إلاّ بدليل خاصّ.

(1) بناءً على قيام ذلك مقام العلم الموضوعيّ البحت.