المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

742

الموضوع هو من تعارض عنده الخبران.

وتحقيق الكلام في هذا الاستصحاب هو: أنّه تارةً نبني على التخيير الاُصولي ونقصد استصحابه، واُخرى نبني على التخيير الفقهي ونقصد استصحابه:

أمّا إذا بنينا على التخيير الاُصولي، فالتخيير الاُصولي يجعلونه منحلاّ إلى حكمين: الحكم بحجّيّة ما اُخذ، والأمر بأخذ أحدهما. فنقول: هل يكون مصّبّ الاستصحاب هو الأمر بالأخذ بأحدهما، أو مصّب الاستصحاب هو حجّيّة المأخوذ؟

فإن كان مصبّ الاستصحاب هو الأمر بالأخذ، قلنا: إنّ الأمر بالأخذ إن فرضناه إرشاداً وإخباراً عن حجّيّة المأخوذ(1)، فلا معنىً لاستصحاب الإخبار، وليس هو حكماً شرعياً يجري فيه الاستصحاب. وإن فرضناه حكماً شرعياً طريقياً سدّاً لفرار العبد عن التكليف رأساً بترك الأخذ، قلنا: إنّ استصحابه لا يثبت حجّيّة المأخوذ في الزمان الثاني، فإنّ حجّيّة المأخوذ حكم شرعي في عرض الأمر بالأخذ ووجوبه، وليس أثراً شرعياً لوجوب الأخذ حتّى يثبت باستصحاب وجوبه.

وإن كان مصبّ الاستصحاب هو حجّيّة المأخوذ فمرجع هذا الاستصحاب إلى الاستصحاب التعليقي، فيقال: إنّ هذا الخبر الثاني لو كان قد أخذه في الزمان الأوّل لكان حجّة، والآن كما كان، أي: لو أخذه لأصبح حجّة، فبناءً على مبنى عدم حجّيّة الاستصحاب التعليقي لا يجري هذا الاستصحاب، بل صاحب الكفاية(رحمه الله) الذي بنى في المقام على استصحاب التخيير لم يكن من حقّه ذلك بالرغم من أنّه قال بحجّيّة الاستصحاب التعليقي في محلّه؛ وذلك لأنّ في الاستصحاب التعليقي إشكالين، أجاب عنهما صاحب الكفاية:

أحدهما: عدم اليقين السابق. وأجاب عنه بأنّ اليقين في كلّ شيء بحسبه، فقد يكون اليقين بحكم فعليّ، وقد يكون اليقين بحكم تعليقيّ. والحكم الذي لم نتيقّن به في المقام إنّما هو الحكم الفعليّ؛ لعدم الغليان بالفعل، ولا بأس باستصحاب الحرمة المعلّقة على الغليان، فإنّ الحرمة التعليقية قد تعلّق بها اليقين.

وثانيهما: أنّ استصحاب الحرمة المعلّقة على الغليان مثلا معارض باستصحاب الحلّيّة التنجيزيّة الثابتة للزبيب قبل الغليان. وجواب صاحب الكفاية(رحمه الله) عن ذلك هو أنّ هذه


(1) فليس الالتزام واجباً وجوباً شرعياً طريقيّاً، بل هو ـ لو كان ـ شرط لتحقّق الحجّيّة الاُصوليّة الموجبة لجواز الإسناد إلى الشريعة مثلا.