المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

745

فإنّ كون الإنسان عرفياً يستنبط بعرفيته المراد من مجموع خبرين بنحو الجمع العرفي لا يمنع عن الشك في إمضاء الشارع لهذه الجموع العرفية وعدمه، وظاهر حال السائل لا يدلّ على افتراض خصوص القسم الأوّل من الحيرة، فإنّه يكفي في السؤال القسم الثاني من الحيرة، وتوجيه السؤال إلى الإمام عند القسم الثاني من الحيرة منسجم مع شأن الإمام، فإنّ القسم الثاني من الحيرة عبارة عن الحيرة في أن الشريعة هل أمضت الجموع العرفية في فهم الأحكام من الأخبار، أولا؟ وطبعاً عندما تقع حيرة من هذا القبيل ينبغي توجيه السؤال إلى الإمام الذى هو ممّثل الشريعة.

وبكلمة اُخرى: أنّ ظاهر حال الراوي لا يدلّ على أزيد من الحيرة في الوظيفة العمليّة التي يعقل افتراضها عند الجمع العرفي أيضاً.

هذا مضافاً إلى أنّه ليس كلّ الأخبار العلاجية واردة كجواب عن سؤال، فترى رواية الراوندي التي هي عمدة الروايات العلاجية وردت كعلاج ابتدائي من قبل الإمام لموارد التعارض، من دون سؤال مسبق.

الوجه الثاني: أنّ السيرة العقلائية تقتضي البناء على الجمع العرفي، والأخبار العلاجية تدلّ بالإطلاق لا بالنصوصية على ترك العمل بالجمع العرفي، فيدور الأمر بين فرض السيرة مخصّصاً منفصلاً لأطلاق الاخبار، وفرض اطلاق الاخبار رادعاً عن السيرة، سنخ ما يقال في الآيات الناهية عن العمل بالظنّ من أنّه دار الأمر بين كون السيرة القائمة على حجّيّة خبر الثقة مخصّصة للآيات وكون الآيات رادعة عنها، فيقال مثلا: أنّ التخصيص موقوف على عدم الردع، والردع موقوف على عدم التخصيص، إذن فيتكافأن، فلا يثبت التخصيص ولا الردع، وبعد التساقط نرجع إلى استصحاب حجّيّة الجموع العرفية، وحجّيّة الخاصّ المعارض للعامّ، وعدم حجّيّة العامّ المعارض للخاصّ، ونحو ذلك، فإنّ هذا كان ثابتاً في أول الشريعة بالإمضاء.

والكلام عن دوران من هذا القبيل بين مخصّصية السيرة ورادعيّة الإطلاق قد مضى مفصّلا في بحث خبر الواحد، وهنا نقتصر على ذكر نكتة واحدة وهي: أنّه لو فرض دوران الأمر بينهما قدّم الردع على التخصيص، لا أنّهما يتساقطان؛ وذلك لأنّ احتمال الردع يفني اقتضاء السيرة للتخصيص؛ إذ اقتضاؤها متقوّم بثبوت الإمضاء، ولكنّ التخصيص المنفصل لا يفني اقتضاء المطلق للردع، فإنّ مقتضي الردع عبارة عن الظهور الثابت في المقام، وغاية ما هناك أن يوجد التخصيص مانعاً عن تأثير المقتضي، ومتى ما كان أحد الأمرين