المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

746

المتعارضين يفني الاقتضاء في الآخر في حين أنّ الآخر يحقّق المانع عن الأوّل قدّم ـ لا محالة ـ ما يفني الاقتضاء على ما يوجد المانع؛ إذ إيجاده للمانع فرع تمامية اقتضائه، فالمطلق يكون اقتضاء الردع فيه ثابتاً والمانع قد خنق في مهده ولو بمجرد احتمال الردع، فيكون المقتضي في المطلق موجوداً والمانع مفقوداً، فيقدّم لا محالة. فهذا الوجه الثاني ايضاً غير تام.

الوجه الثالث: أنّ السيرة العقلائية القائمة على الجمع العرفي(1) مستحكمة في الأذهان إلى درجة لا يصلح مجرّد وجود بعض الإطلاقات للردع عنها، بل إنّ تلك السيرة والارتكاز الواضحين عند العقلاء تشكّل قرينة متّصلة مانعة عن انعقاد الإطلاق من رأسه. وهذا الوجه صحيح.

الوجه الرابع: أنّنا نستفيد من نفس الأخبار العلاجية حجّيّة الجمع العرفي، فرواية الراوندي التي هي عمدة الأخبار العلاجية قد فرضت خبرين متعارضين، وأصبحت بصدد الترجيح بينهما، وهذا ظاهره أنّ كلّ واحد من الخبرين لولا معارضه لكان حجّة، ثمّ رجّحت أحد الخبرين على الآخر بأنّه موافق للكتاب والآخر مخالف له، فهذا معناه أنّ الخبر المخالف للكتاب لولا معارضه لكان حجّة، في حين أنّه مخالف للكتاب، ولا أقلّ من المخالفة بمثل العموم والخصوص القابل للجمع العرفي، وهذا معناه حجّيّة الخبر الخاصّ في مقابل العامّ الكتابي، فكيف بالخبر الخاصّ في مقابل عامّ ثبت بخبر واحد مثله لا بالكتاب؟

فلا يحتمل عرفاً صحّة الجمع العرفي بتخصيص الكتاب بخبر الواحد دون صحّته بتخصيص خبر الواحد بخبر الواحد.

وهذا الوجه بلحاظ نكتته ألطف الوجوه، إلاّ أنّه لا يدلّ على تمام المدّعى، فإنّه مضى فيما سبق أنّنا قلنا: إنّ هذه الرواية تدلّ في الجملة على حجّيّة بعض الأخبار المخالفة للكتاب، والقدر المتيقّن منها ما تكون مخالفته بمثل الإطلاق والتقييد، فهنا ـ أيضاً ـ حينما نتعدّى من الكتاب إلى غير الكتاب نتعدّى بهذا المقدار، أي بمقدار ما يكون من أوضح موارد الجمع العرفي وأخفّها عناية(2)

 


(1) أفاد (رضوان الله عليه): أن السيرة العقلائية قائمة على كبرى الجمع العرفي، ومثل العامّ والخاصّ إذا صدرا من الإنسان المتعارف وإن لم يكن صغرىً لهذه الكبرى؛ لأنّه ليس من المتعارف ذكر المخصّص منفصلا، لكن حينما صدر من قبل إنسان قام ديدنه على تفريق المتصلات كالشارع الأقدس، يصبح الجمع بينهما عرفياً وداخلا في تلك الكبرى المرتكزة.

(2) ذكر اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في خارج الدرس وجهاً خامساً للجواب على الإشكال، إلاّ أنه (رحمه الله)قال: إنّ