المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

748

المرجّحات السندية والمرجّحات الدلالية، فالمرجّح السندي لا يأتي في العامّين من وجه؛ لأنّنا لو أردنا إسقاط أحد العامّين بتمامه كان اسقاطه في مادّة الافتراق بلا موجب، ولو أردنا اسقاطه في مادّة الاجتماع فحسب كان هذا معناه التبعيض في السند الواحد، وهذا لا معنى له، وهذا بخلاف المرجّحات الدلالية، فبالإمكان إعمالها في بعض الدلالات دون بعض.

وأورد على ذلك السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بأنّه يوجد في كلّ نقل لشيء دالّ ودلالة، وقد يكون الدالّ واحداً والدلالة متعدّدة، كما لو قال: (كلّ من كان في البلد فقد خرج) فالدالّ هنا وإن كان واحداً إلاّ أنّه توجد دلالات بعدد من في البلد، والأحكام المترتّبة على النقل والأخبار بعضها مترتّب على الدالّ، من قبيل حرمة الكذب، فلو أخبر كذباً بخروج كلّ من في البلد لم تزدد الحرمة وتنقص بزيادة عدد سكان البلد ونقصانه، وبعضها مترتّب على الدلالة فيتعدّد بتعدّد الدلالة كما في حرمة الغيبة، فإنّ الغيبة تتعدّد بتعدد من أخبر عنه ولو كانت الإخبارات مجموعة في لفظ واحد، والحجّيّة حكم مترتّب على الدلالة لا على الدالّ، والعامّ من وجه وإن كان الدالّ فيه واحداً لكنّ الدلالة متعدّدة، فتسقط حجّيّته بلحاظ مادّة الاجتماع بترجيح معارضه عليه، وتبقى الحجّيّة لمادّة الافتراق باعتبارها دلالة تضمّنية لا تسقط بسقوط الدلالة التضمنية الاخرى عن الحجّيّة، لا دلالةً التزاميّة حتى تسقط بسقوط الدلالة المطابقيّة(1).

أقول: في كلا الكلامين نظر:

أمّا كلام السيد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ فيرد عليه: أنّه خلط بين دالّين ودلالتين، فنقل الراوي دالّ وله دلالة واحدة، وهي دلالته على كلام الإمام، ثمّ كلام الإمام دالّ آخر وله دلالات عديدة باعتباره يبيّن حكماً كلّياً تحته مصاديق كثيرة، وليس المفروض هو ترجيح أحد كلامي الإمام على كلامه الآخر بمرجّح حتّى يقال: إنّ هذه الأحكام تكون بلحاظ الدلالة، والدلالة متعدّدة، وإنّما المفروض ترجيح نقل أحد الراويين على نقل الآخر، وكلّ من النقلين له دلالة واحدة. فالى هنا استفحل إشكال المحقّق النائيني (رحمه الله).

وأمّا كلام المحقّق النائيني (رحمه الله) فيرد عليه:

أنّ منهجة البحث غير صحيحة، فليس من الصحيح أن يقال: بما أنّ إسقاط العامّ في مادّة الافتراق بلا موجب، والتفكيك بين مادة الافتراق ومادة الاجتماع غير ممكن. إذن فلا يمكن


(1) راجع مصباح الاصول ج 3 ص 427 ـ 429.