المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

749

اسقاط هذا العامّ بترجيح العامّ الآخر عليه المعارض له بالعموم من وجه، بل لا بدّ من النظر ابتداءً إلى الأخبار العلاجية، لنرى هل تشمل العامّين من وجه، أو لا؟ فلو فرض شمولها للعامّين من وجه، وفرض عدم إمكان التفكيك بين مادّة الاجتماع ومادّة الافتراق، سقط ـ لا محالة ـ العامّ حتّى في مادّة افتراقه، ولم يكن ذلك سقوطاً بلا موجب، بل هو سقوط بموجب الأخبار العلاجية.

هذا. وتحقيق الكلام في المقام يستدعي ذكر اُمور.

الأوّل: أنّه إذا وقع التعارض بالعموم من وجه بين خبرين، كما لو قال أحدهما: (يجب إكرام العلماء) وقال الآخر: (يحرم إكرام الفسّاق) فالتفكيك بين مادّة الاجتماع ومادّة الافتراق ثبوتاً ممكن؛ وذلك لأنّه في الحقيقة كلّ من الراويين له شهادتان: شهادة إيجابية بالنطق، وشهادة سلبية بالسكوت، فالراوي الأول يشهد بأنّ الإمام قال: (يجب إكرام العلماء) ويشهد في نفس الوقت بسكوته بأنّ الإمام لم يعقّب هذا العامّ باستثناء العلماء الفسّاق منه، والراوي الثاني يشهد بأنّ الإمام قال: (يحرم إكرام الفسّاق) ويشهد في نفس الوقت بسكوته بأنّ الإمام لم يعقّب هذا العام باستثناء العلماء منه. والتعارض إنّما يكون بلحاظ هاتين الشهادتين الأخيرتين، وإذا سقطت إحداهما أمكن فرض عدم سقوط إحدى الشهادتين الأوليين لارتفاع التعارض، فنثبت مادّة الافتراق بأصل العامّ وأمّا مادّة الاجتماع فلم تثبت لسقوط الشهادة بعدم استثنائها.

الثاني: قد عرفت أنّ المحقّق النائيني (رحمه الله) فصّل بين المرجّح السندي والمرجّح الدلالي، فما هو المرجح السندي، وما هو المرجح الدلالي؟

الذي ينبغي أن يقال في المقام هو: إنّ الترجيح الثابت بالأخبار العلاجية تارةً ينصبّ بحسب لسان الدليل على النقل، واُخرى ينصبّ على المنقول، فإن انصبّ على النقل فهذا ظاهره الترجيح بحسب الصدق والكذب في النقل، وهو الترجيح السندي. وإن انصبّ على المنقول فظاهره الترجيح الفعلي لأحد المنقولين الملتئم؛ لكونه ناظراً إلى قوّة أحد المضمونين في مقابل الآخر ولو من غير جهة الصدق والكذب، ولهذا يمكن أن يكون لدليل الترجيح بذلك إطلاق للخبرين القطعيي الصدور، وهذا بخلاف الترجيح بلحاظ النقل، فإنّه لا يشمل الخبرين القطعيّين.

إذا عرفت هذا قلنا: إنّ الترجيح بالصفات ترجيح سندي على ما يظهر من المقبولة والمرفوعة، ففي المرفوعة يقول: (خذ بما يقول أعدلهما) فنرى أنّه أضاف الترجيح الى القول،