المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

751

وإن فرضناهما مرجّحين دلاليين فأيضاً لا يجريان في المتعارضين بالعموم من وجه بنفس البيان، فلو كان المقصود إسقاط أحد العامّين حتّى في مادّة الافتراق، فهذا خلاف ظاهر الدليل الذي يستفاد منه علاج المعارض وإسقاطه فقط. ولو كان المقصود إسقاط مادّة الاجتماع فأيضاً هذا خلاف ظاهر الدليل المعبِّر بالحديث الظاهر في اسقاط الحديث، والحديث واحد، وليس متعدّداً.

نعم، يمكن أن يدّعى بناءً على الترجيح الدلالي أنّ العرف يتعدّى إلى العامّين من وجهّ؛ إذ كما أن موافقة الكتاب أو مخالفة العامّة تقوّي مضمون ما وافقه المبتلى بالمعارض المباين كذلك تقوّي مضمون ما وافقه في مادّة الاجتماع عند التعارض بالعموم من وجه، إلاّ أنّ الجزم بتعدّي العرف لا يمكننا.

الرابع: هل يحتاج العمل بموافقة الكتاب أو مخالفة العامّة في العامّين من وجه إلى شمول الأخبار العلاجية لذلك، أو لا؟

الصحيح: عدم الحاجة الى الاخبار العلاجيّة.

أمّا في موافقة الكتاب فلأنّ نفس أدلّة طرح ما خالف الكتاب تدلّ على طرح المخالف، والموصول فيه مطلق يشمل كلّ ما خالف الكتاب حديثاً كان، أو مذهباً، أو إطلاقاً، أو عموماً، أو غير ذلك، والمفروض في المقام أنّ عموم أو إطلاق أحد الخبرين خالف الكتاب، فسقط عن الحجّيّة، فيبقى الموافق بلا معارض، فإنّه لم يدلّ دليل على تخصيص تلك الأدلّة، إلاّ نفس رواية الراوندي التي لا نخصّصها إلاّ بمقدار الخبر المخالف للكتاب، بمثل التقييد غير المبتلى بالمعارض على تقريب مضى في محلّه، والمفروض أنّه فيما نحن فيه مبتلى بالمعارض(1).

وأمّا في مخالفة العامّة فلأنّ نفس التقريب الذي مضى منّا لتقديم مخالف العامّة على القاعدة يأتي في المقام.

وقد كان ذاك التقريب عبارة عن أن العرف بعد أن يعجز عن الجمع الدلالي في مرتبة المداليل الاستعمالية ينتقل إلى الجمع الدلالي في مرتبة المداليل الجدّية لدى التمكن من الجمع في مرتبة الجدّ، فمثلا إذا أخذنا بطائفتين من الأخبار دلّت إحداهما بالصراحة على طهارة


(1) قد يقال: إنّ ما دلّ على جواز تخصيص وتقييد الكتاب بخبر الواحد صار قرينة عرفية على أنّ روايات طرح ما خالف الكتاب تقصدبها المخالفة التي هي أشدّ من مثل المخالفة بالتخصيص والتقييد، وهي المخالفة التباينيّة، ولا يختلف في ذلك إذن بين أن يكون المخالف مبتلى بالمعارض أو لا، ولا بين فرض إمكانيّة الجمع العرفي بينه وبين الكتاب، كما في الأخصّ مطلقاً منه، وعدم إمكانيّة ذلك، كما في فرض نسبة العموم من وجه بينه وبين الكتاب.