المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

752

الكتابي، والاُخرى بالظهور على نجاسته، فمقتضى الجمع في مرتبة المدلول الاستعمالي حمل دليل النجاسة على التنزيه، ومقتضى الجمع في مرتبة المدلول الجدّي حمل أخبار الطهارة على التقيّة، حيث إنّ أخبار الطهارة إنّما هي ظاهرة في الجدّ، لكنّ أخبار النجاسة صريحة في الجدّ باعتبار عدم احتمال عرفي للتقيّة فيها، فإنّ العامّة متّفقون على طهارة الكتابي. نعم، احتمل صاحب الحدائق (رحمه الله) ورود بعض الأخبار المخالفة للعامّة للتقيّة بأن يكون الهدف منها إيجاد الاختلاف في الشيعة لأجل التقيّة(1)، إلاّ أنّ هذا احتمال عقلي في مقابله قرائن تفيد الاطمئنان بالخلاف؛ إذن فإدلّة النجاسة صريحة عرفاً في الجدّ، فمقتضى الجمع في مرتبة الدلالة الجدّية هو حمل أخبار الطهارة على التقية، إلاّ أنّه مع إمكانية الجمع بينهما بحمل أخبار النجاسة على التنزيه لا تصل النوبة إلى حمل أخبار الطهارة على التقية.

وفي المتعارضين بالعموم من وجه ـ أيضاً ـ نقول نفس الكلام، أي: إنّه بعد عدم إمكان الجمع الدلالي بينهما في مرتبة المدلول الاستعمالي يحمل العرف الموافق منهما للعامّة على التقية، ويحمل الخبر الآخر المخالف للعامّة على الجدّ.

وقد مضى منّا أنّهم ذكروا في الجمع بالحمل على التقية إشكالا، ولكنّه لو تمّ فإنّما هو في المتخالفين بالتباين، ولا يأتي في العامّين من وجه.

وهو: أنّنا في سائر موارد الجمع الدلالي نقول: إنّ دليل الحجّيّة العامّ إنّما دلّ على الأخذ بكلّ خبر بعد لحاظه جميع قرائنه المتّصلة والمنفصلة، فإذا كان بين الخبرين المتعارضين جمع دلالي كما في العامّ والخاصّ لم يقع أيّ تعارض بين الحجّيّتين؛ لأن إطلاق دليل الحجّيّة إنّما دلّ على حجّيّة العامّ بعد تحكيم كلّ ماله من قرائن متّصلة ومنفصلة، والمفروض أنّ الخاصّ قرينة منفصلة، فدليل الحجّيّة إنّما دلّ على حجّيّة العامّ فيما عدا مقدار الخاصّ، وفي طرف الخاصّ ـ أيضاً ـ إنّما دلّ إطلاق دليل الحجّيّة على حجّيّة الخاصّ بعد تحكيم القرائن فيه، إلاّ أنّه لم ترد قرينة على خلافه، فصار الخاصّ بمدلوله الأوّلي حجّة، ولا تعارض بين حجّيّة العامّ فيما عدا مورد الخاصّ وحجّيّة الخاصّ، كما هو واضح، ولهذا لم تسرِ المعارضة من الدلالة إلى السند. وأمّا في مورد الحمل على التقيّة فإذا حمل أحد الخبرين على التقيّة وعدم الجدّ كان معنى ذلك سقوطه عن الحجّيّة راسأ؛ إذ لا معنى لحجّيّة ما لا يكون إلاّ كلقلقة اللسان. إذن فهو مع معارضه لا يجتمعان في الحجّيّة، أي: إنّه استحكم التعارض في السند.


(1) راجع الحدائق: ج 1، ص 5 ـ 8 بحسب طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي لجماعة المدرّسين بقم.