المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

754

نعم مضى منّا أنّ التفكيك بين أصل الكلام والسكوت بإيقاع التعارض والترجيحات بين السكوتين دون أصل الكلامين غير عرفي، فإنّ الحديث عبارة عن الكلام، وكان مقصودنا من ذلك أنّ السكوت الذي ليس هو الحديث بنفسه، وإنّما هو مندكّ في ضمن الكلام الذي هو الحديث الأصلي ليس التفكيك بينه وبين الكلام عرفياً، وهذا غير مرتبط بما نحن فيه فلا يتوهم التهافت بين ما نقوله هنا وما قلناه هناك.

وثانياً: أنّه لعلّه يمكن إسراء الإشكال ببعض مراتبه إلى العامّين بالوضع؛ وذلك لأن التعارض والترجيح في الحقيقة إنّما هو بلحاظ الدلالة التصديقيّة، لا التصورية، والدلالة التصديقيّة بإرادة العموم إنّما تقوم على أساس سكوته عن التخصيص المتصل، لا على أساس وضع أداة العموم فحسب، فرجع التعارض مرّةً اُخرى إلى ما بين السكوتين، فلعلّ الإشكال يسري إلى العامّين بالوضع، بل إلى غير ذلك أيضاً.

وثالثاً: أنّه لو لم تشمل رواية الراوندي العامّين من وجه حينما يكون العموم بالإطلاق كفانا مقتضى القاعدة، فإنّنا قد وضحّنا أنّ الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة يثبت بمقتضى القاعدة من أدلّة إسقاط مخالف الكتاب، ومن الجمع العرفي، بالحمل على التقيّة. وهذا الوجهان يأتيان في المطلقين.

التقريب الثاني: أن يكون المقصود: أنّ الإطلاق ليس ظهوراً مستفاداً من كلام الإمام أو سكوته، وإنّما هو دلالة عقليّة، فهي أجنبية بتمام المعنى عن الحديث المنقول من الإمام، والترجيحات إنّما هي للإحاديث، لا للبراهين العقلية.

وهذا التقريب أوضح بطلاناً من التقريب الأوّل؛ إذ لا إشكال في أنّ الأطلاق ومقدّمات الحكمة ـ في الحقيقة ـ عبارة عن تحليل حال المتكلم، وتوضيح ظهور حاله في أنّه يبيّن تمام مرامه بنفس خطابه، ولهذا يفهم الإطلاق من كلام المتكلّم كلّ إنسان عرفي وإن لم يكن يعرف تلك التحليلات العقلية، على أنّه لو لم يتمّ هذا جاء الترجيح بموافقة الكتاب بمقتضى القاعدة؛ لأنّ ما دلّ على إسقاط ما خالف الكتاب عامّ يشمل كلّ ما خالف الكتاب، سواء كان حديثاً، أو كان قرينة عقليّة.

ثمّ إنّ هذا الإشكال وإن كان ذكره السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ في العامّين من وجه، لكنّه يأتي بنفس التقريب مع الأجوبة التي عرفتها في المتباينين أيضاً.

هذا، وقد وقع ـ أيضاً ـ سنخ هذا الإشكال في المخالفة لإطلاق الكتاب، فيقال: إنّ المخالفة لإطلاق الكتاب ليست مخالفة للكتاب، وبناءً على ذلك يشكل الترجيح بموافقة الكتاب إذا