المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

757

أمّا التقريب الأوّل، فهو: أنّ المرجّح الجهتي اُخذ في موضوعه الفراغ عن الصدور، حيث إنّ الكلام بعد الفراغ عن صدوره من الإمام يمكن أن يقال: إنّه صدر بداعي الجدّ أو التقيّة، ولو لم يكن صادراً منه فلا معنى لكونه بداعي الجدّ أو التقية. وإذا اُخذ في موضوعه الصدور فالمرجّح الصدوري الذي يحكم في مرحلة الصدور يكون حاكماً عليه، وحينما ينفى الفراغ عن صدور أحد الخبرين يكون ذاك نفياً لموضوع الترجيح الجهتي.

وتحقيق الحال في ذلك: أنّ الفراغ عن الصدور يجب أن يفترض ـ إن قيل به ـ في خصوص الخبر المخالف للعامّة، لا الخبر الموافق لهم؛ إذ الخبر الموافق غاية الأمر فيه أنّه لا يثبت صدوره عن جدّ، وهذا غير موقوف على الفراغ عن صدوره، لا أنّه يثبت كونه تقيّةً حتّى يتوقّف على الفراغ عن صدوره.

ومعنى الفراغ عن الصدور ـ الذي إن قيل به فإنّما يقال في الخبر المخالف ـ أحد اُمور ثلاثة:

الأوّل: أن يقصد بذلك إحراز الصدور، بأن يكون قد اُخذ في موضوع الترجيح الجهتي إحراز صدور الخبر المخالف، وعندئذ إن فرض تساويهما من حيث المرجّحات الصدورية فالخبر المخالف للعامّة نحرز صدوره، لا بدليل الترجيح الجهتي، فإنّ دليل أيّ حكم لا يحقّق موضوع ذلك الحكم، بل بدليل حجّيّة خبر الثقة العامّ. وهذا الدليل لا يشمل الخبر الأخر الموافق للعامّة؛ لأنّ إحراز صدوره لغو؛ إذ حتّى لو كان صادراً يرجّح عليه الخبر المخالف بالترجيح الجهتي.

وعلى أيّ حال فالخبر المخالف في المقام لو خلّينا نحن وخصوص دليل الترجيح الجهتي فقط لما أمكننا إثبات حجّيّته؛ لأنّ دليل الترجيح الجهتي قد اُخذ ـ حسب الفرض ـ في موضوعه إحراز الصدور، فهو لا يحقّق موضوعه، ولو خلّينا نحن وخصوص دليل حجّيّة خبر الثقة فقط من دون لحاظ الترجيح لما أمكننا إثبات حجّيّته أيضاً، لمكان التعارض والتساقط، فكلّ من دليلي الحجّيّة العامّ والترجيح يكمّل الآخر، ويثبت بمجموعهما حجّيّة الخبر المخالف.

وإن فرض أنّ الخبر الموافق للعامّة وجد فيه المرجّح الصدوري فدليل الترجيح الصدوري يلغي التعبّد بصدور الخبر المخالف، فلا يمكن إحراز صدوره لا بدليل الترجيح الجهتي كما هو واضح، ولا بدليل الحجّيّة العامّ؛ لأنّه مخصّص بدليل الترجيح الصدوري الذي يلغي التعبّد بصدور الخبر المخالف. إذن فلا يثبت إلاّ صدور الخبر الموافق، فيقدّم الترجيح الصدوري على الترجيح الجهتي؛ لأنّ الترجيح الجهتي قد انتفى موضوعه بالترجيح الصدوري، فثبتت حكومة المرجّح الصدوري على المرجّح الجهتي.