المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

759

لا يحمل كلّ خبر موافق للعامّة على التقية، وإنّما هي في خصوص الخبر الموافق للعامّة المبتلى بالمعارض.

فتحصّل من هذا الكلام مجموع مقدّمتين:

الاُولى: أنّ مرجع المرجّح الجهتي إلى جعل موافقة العامّة أمارة على التقية.

والثانية: أنّ هذه الأمارية مختصّة بصورة التعارض. ويستنتج من ذلك: أنّ كلّ ما يحلّ التعارض في مرتبة سابقة يرفع موضوع هذا المرجّح، إذن فالمرجّح الصدوري يتقدّم عليه.

إلاّ أنّ التحقيق: أنّ كلتا المقدّمتين غير صحيحة:

أمّا الأولى، فلاحتمال كون الترجيح هنا ـ أيضاً ـ بنكتة استحكام الخبر المخالف، وشدّة إحكامه، وعدم تطرّق احتمال التقيّة فيه، وهذا نكتة مطلقة ثابتة حتّى عند عدم التعارض، ولا قرينة على أنّ النكتة أماريّة موافقة العامّة على التقيّة.

وأمّا الثانية، فبعد فرض تسليم أنّ النكتة أمارية موافقة العامّة على التقيّة نقول: إنّ هذه الأمارية وإن لم تكن مطلقة إلاّ أنّها مقيّدة بالمعارضة بلحاظ دليل الحجّيّة الاولى، فهي فرع التعارض بلحاظ ذاك الدليل، فرفع التعارض بلحاظ دليل ثانوي اسمه دليل الترجيح الصدوري ليس رافعاً لموضوعها، وإن شئت قلت: إنّ القدر المتيقّن من تقييد هذه الأمارية إنّما هو تقييدها بالمعارضة بلحاظ دليل الحجّيّة الاُولى، ولا قرينة على التقييد الزائد، وهي المعارضة بلحاظ كلّ دليل.

وأمّا في الفرض الثالث، وهو ما لو دل الدليل على ترجيح ما هو الأقوى من الخبرين المتعارضين فعندئذ كلّ ما ذكرناه في الفرض الثاني لا يأتي هنا، وإنّما يجب أن نلحظ في المقام حساب الاحتمالات، فمثلا إذا كان أحد الخبرين صادراً من الأصدق لكنّه موافق للعامّة، والخبر الآخر صادراً من غير الأصدق لكنه مخالف للعامة، فلا بدّ من ملاحظة درجة احتمال الكذب في خبر غير الأصدق مع درجة احتمال الجامع بين الكذب والتقيّة في خبر الأصدق، فأيّهما كان أقوى كان الخبر الآخر هو المقدّم، وهذا يختلف باختلاف الموارد.

هذا تمام ما أردنا تدوينه في مبحث التعادل والتراجيح، وبه تمّ الفراغ من تدوين القسم الثاني من أبحاث الاُصول المسمّاة بمباحث الاُصول العقليّة تقريراً لأبحاث سيدنا الاُستاذ آية الله العظمى الشهيد السيّد محمّدباقر الصدر(قدس سره)، وكان الفراغ من التدوين المجدّد لما سجلته عن مجلس درس سيدنا الاستاذ(قدس سره) في اليوم الرابع من جمادى الاُولى من سنة 1414 الهجرية القمرية في قم المقدّسة

والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.