المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

80

إن قلت: إنّ في مثل هذا المثال ـ أيضاً ـ لم يذكر ملاك ثبوت حكم الحرمة على المسكر، فلتكن نسبة توسعة الشرط الواقعيّ او تضيّق الوجوب الواقعيّ إلى ترتّب الحكم بعدم الإعادة على الاستصحاب كنسبة الملاك في مثال الخمر إلى ترتّب الحرمة على الإسكار.

قلت: الحرمة في مثال الخمر موضوعها واقعاً هو الإسكار، ولم يحذف بينهما شيء، فكلام المتكلّم تامّ؛ فإنّه ذكر أوّلاً شيئاً وهو حرمة الخمر، ثمّ ذكر تمام علّة ذلك، وهو الإسكار. نعم، لم يذكر علّة العلّة، أي: السبب في حرمة الإسكار، ولكن ليس المفروض في الكلام أن تذكر تمام العلل المتسلسلة. وأمّا في المقام فعدم الإعادة إنّما هو حكم لتوسعة الشرط أو ضيق الوجوب لا للاستصحاب، وإنّما الاستصحاب هو محقِّق لموضوع توسعة الشرط، أو ضيق الوجوب المترتّب عليه عدم الإعادة.

وبكلمة اُخرى: أنّه في مثال الخمر يكون المعلّل هو حرمة الخمر، والمعلل به هو حرمة المسكر، وليست بين المعلّل والمعلّل به واسطة محذوفة. نعم، تكون للعلّة وهي حرمة المسكر علّة اُخرى لم تذكر. وأمّا في المقام فالمعلّل هو عدم إعادة الصلاة، والمعلّل به هو الاستصحاب، ولكن الحكم المجعول من قبل المولى الذي سبّب عدم الإعادة ليس هو الحكم بعدم الإعادة عند جريان الاستصحاب، فإنّ المولى لم يحكم بذلك على الاستصحاب، وإنما الذي صنعه المولى في المقام هو توسعة الشرط أو تضييق الوجوب، وهذه الواسطة في المقام محذوفة ومقدّرة، وهو خلاف الأصل.

4 ـ أنّنا لو سلّمنا تقدير كبرىً محذوفة في مثل قولنا: «لا تشرب الخمر، لأنّه مسكر» وقلنا: إنّ هذا الحذف والتقدير هناك عرفي، فإنّنا لا نسلّم كون التقدير عرفياً في ما نحن فيه. وتوضيح ذلك: أنّ عرفيّة التقدير هناك نشأت من ارتكازيّة الشكل الأوّل في أذهان العرف، فالمتكلم إذا ذكر مقدّمة واحدة وهي الصغرى، انساق ذهن العرف بطبعة إلى طلب الكبرى وتقديره في الكلام، فحينما يسمع قوله: «لا تشرب الخمر؛ لأنّه مسكر» يقدّر لذلك كبرىً وهي قولنا: «وكلّ مسكر حرام». وأمّا في المقام فالعرف قد واجه مقدّمتين: الاُولى: صغرى وهي قوله: «كنت على يقين من طهارتك فشككت» والثانية: كبرى وهي قوله: «وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ»، فلا تبقى له حالة انتظاريّة، ولا ينساق ذهنه إلى تقدير كبرىً في المقام، وليس المذكور في الكلام المقدّمة الثانية فقط، وهي الاستصحاب حتّى يدّعى فرضه صغرىً لكبرىً محذوفة، بل هي بنفسها كبرىً لمقدّمة مذكورة في الكلام، فلا يفهم العرف هنا تقدير كبرىً يجعل هذه الكبرى صغرىً لها.