المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

85

لا يقتل لعدم المصادفة، فهنا تجري أصالة الاشتغال. وعليه فنقول في ما نحن فيه: إذا كانت الطهارة شرطاً بأيّ نحو من الانحاء الثلاثة المتقدمة، فالشكّ متمحّض في حصول الواجب بالصلاة في هذا الثوب وعدمه، فتجري أصالة الاشتغال، وإذا كانت النجاسة مانعة فعندئذ إن تصوّرنا ذلك بالنحو الأوّل، أعني: أنّ المانع هو الثوب والنجاسة حيثيّة تعليليّة، فهذا ينحلّ بتعدّد الثوب النجس، ويكون الشكّ في نجاسة ثوب شكّاً في مانع جديد تجري البراءة عنه؛ لأنّنا شاكّون في كون الصلاة في هذا الثوب متّصفاً بنحو مفاد كان الناقصة بكونها صلاة في الثوب النجس، ويشترط في حرمتها اتّصافها بذلك.

وإن تصوّرنا ذلك بالنحو الثاني، أي: أنّ المانع هو النجاسة أو نجاسة الثوب، فهنا وإن تمّ الانحلال ـ أيضاً ـ إلى موانع عديدة، ولكنّنا حينما شككنا في نجاسة ثوب ليس هذا معناه الشكّ في حرمة الصلاة في نجاسة هذا الثوب، بل هذا مقطوع به بناءً على ما نقّحناه في محلّه من أنّ فعليّة مانعيّة المانع لا تتوقّف على وجود المانع بنحو مفاد كان التامّة، وإنّما الشكّ شكّ في تحقق هذا الحرام بالصلاة في هذا الثوب وعدمه نظير الشكّ في حصول قتل زيد بالرصاص، فهنا لا بدّ من الاحتياط.

وإن تصوّرنا ذلك بالنحو الثالث، أي: أنّ المانع عبارة عن أن يكون ثوب المصلّي نجساً، فهنا ـ أيضاً ـ يثبت الانحلال، لكن بلحاظ تعدّد أثواب المصلّي إذا لبس أثواباً متعدّدة، فتوجد موانع متعدّدة لا بلحاظ مطلق الأثواب الخارجية؛ لما مضى من أنّه ليس كون أيّ ثوب نجساً هو المانع، وهنا ـ أيضاً ـ نقول بما قلناه في النحو الثاني من أنّ الانحلال لا يشفع لجريان البراءة؛ لأنّ المهمّ في المقام ما ذكرناه من أنّ فعليّة المانعيّة ليست مشروطة بوجود المانع خارجاً، فيكون المورد مورداً للاشتغال.

والخلاصة: أنّنا لو قلنا باشتراط فعليّة المانعيّة بوجود المانع خارجاً، فالبراءة تجري في كلّ الأنحاء الثلاثة للمانعيّة لدى الشكّ، ولكنّها لا تجري في فرض شرطيّة الطهارة. ولو قلنا بعدم اشتراط فعليّة المنع بوجود المانع خارجاً: إمّا لاستظهار لفظي، أو لعدم معقولية هذا الاشتراط، كما اخترنا ذلك في بعض أبحاثنا الماضية، فالشكّ في النحوين الأخيرين من أنحاء المانعيّة يلحق بفرض شرطيّة الطهارة في أنّه يكون مجرىً للاشتغال دون البراءة، ويكون النحو الأوّل من أنحاء المانعيّة هو المورد الوحيد لجريان البراءة لدى الشكّ.

إن قلت: إنّ هذه الثمرة ثمرة فرضيّة وتقديريّة؛ لأنّه على أيّ حال تجري أصالة الطهارة، فيتنقّح بذلك وجود الشرط أو عدم المانع.