المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

88

الفحص، ولا تجري البراءة وإن كانت الشبهة موضوعية، فإنّ هذا الشكّ وإن كان في ذاته شبهة موضوعية، لكن كلامنا في الحكم الشرعي لهذه الشبهة الموضوعية، وهذه شبهة حكمية يجب الفحص عنها بلا إشكال إلى أن نصل إمّا إلى القطع بعدم ورود أصالة الاشتغال من قبل الشارع في معرض الوصول إلينا بقدر إمكاناتنا عن الفحص، أو إلى مثل أصالة الطهارة، أو إلى هذا الاستصحاب.

نعم، من فحص عن حكم الشرع لهذا الشكّ ووصل إلى القطع بعدم ورود أصالة الاشتغال في معرض الوصول إلينا فهو لا يحتاج في مقام رفع التنجيز إلى هذا الاستصحاب، لكن هذا لا يعني سقوط الاستصحاب باللغوية، فحال وجود هذا الاستصحاب رغم كفاية البراءة العقلية لرفع التنجيز حال وجود البراءة الشرعية في موارد جريان البراءة العقليّة في الشبهات البدويّة، فالبراءة العقليّة شأنها نفي التنجيز ما دمنا لم نعلم بعد الفحص باهتمام الشارع بغرضه لدى الشكّ، والاُصول الشرعيّة المؤمّنة كالاستصحاب أو البراءة الشرعية شأنها إيصال عدم اهتمام الشارع بغرضه حذراً من أن يصل خلاف ذلك إلى العبد، ولا تنافي بينهما.

ومن هنا ظهر الحال فيما لو سلّمنا البراءة العقلية حتّى قبل الفحص، فإنّنا نقول: إنّ هذه البراءة هنا ليست ممّا لا يشكّ فيه أحد، فكان للشارع أن يبرز عدم اهتمامه بواسطة الاستصحاب دفعاً لتوهّم التنجّز.

إلاّ أنّنا مع ذلك كلّه نقول: إنّ أخذ التنجيز دخيلاً في الموضوع غير معقول بظاهره ما لم يُؤوّل بنحو يأتي إنشاء الله، وذلك للزوم المحذور في عالم الجعل، وفي عالم التنجيز، وفي عالم التعبّد الاستصحابي بالنجاسة.

أمّا الأوّل؛ فلأنّ المانعيّة علّقت في المقام على تنجّز النجاسة، وتنجّز النجاسة يعني تنجّز مانعيّتها، وأخذ تنجّز المانعية في موضوع المانعية محال، سنخ استحالة أخذ العلم بالحكم في موضوع شخص ذلك الحكم، والتخلّصات الفنّيّة عن الإشكال التي تجري هناك لا تجري هنا، كما يظهر بالتأمّل والمقايسة بين المقامين(1).

لا يقال: إنّنا لا نفترض أخذ تنجّز المانعيّة في موضوع المانعية، بل نفترض أخذ تنجّز


(1) فمثلاً يقال هناك لرفع المحذور: إنّ بالإمكان أخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول؛ في حين أنّه لا يمكن هنا القول بأخذ تنجيز الجعل في موضوع المجعول، فإنّ تنجيز الجعل مساوق لتنجيز المجعول؛ لأنّ الجعل غير البالغ مرتبة الفعلية لا يقبل التنجيز.