المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

90

واضحاً، ولكنّه ليس كذلك، وإنّما هو استصحاب لجزء الموضوع وهو النجاسة، ويكون الحكم المماثل الثابت باستصحاب جزء الموضوع هو الحكم المعلّق على تحقّق الجزء الآخر، وهذا ما يكون المحقّق النائيني(رحمه الله) مُلزماً به حسب مبانيه وإن لم يلتزم به صريحاً، فالحكم المماثل هنا هو المانعيّة على تقدير الجزء الآخر وهو التنجيز، فالاستصحاب يفيد تنجيز المانعيّة على تقدير التنجيز، ومن المعلوم أنّه على تقدير التنجيز لا معنىً للتنجيز مرّة ثانية(1).

إلاّ أنّ هذه المحاذير إنّما تترتّب لو أخذنا بهذا الوجه، أي: دخل التنجيز في المانعيّة بظاهره، ولكن يمكن تأويله بنحو يتفادى كلّ هذه المحاذير، وذلك بأن يقال: إنّه ليس المقصود بأخذ التنجيز أخذ التنجيز الفعلي، بل المقصود هو أخذ ما يصلح للمنجّزية،أي: أن يكون هناك كاشف للنجاسة بحيث لو كانت النجاسة حكماً تكليفياً قابلاً للتنجيز لتنجزت به، ولعلّ هذا هو مقصود المحقّق النائيني(رحمه الله) وإن كانت العبارة قاصرة، فيرتفع بذلك كلّ المحاذير السابقة:

أمّا بلحاظ عالم الجعل، فكنّا نقول: إنّ المفروض أن يكون المقصود بالتنجيز تنجيز المانعية لا تنجيز نفس النجاسة؛ لأنّ النجاسة لا تقبل بذاتها التنجيز، فلزم أخذ تنجيز المانعيّة في المانعيّة وهو مستحيل، والآن نقول: إنّ المقصود تنجيز نفس النجاسة، ولا محذور في ذلك؛ لأنّنا لم نرد بذلك التنجيز الفعلي، وإنّما المقصود هو: أنّها لو كانت حكماً تكليفيّاً لتنجزت، وهذا ثابت قطعاً.

وأمّا بلحاظ عالم التنجيز فكنّا نقول: إنّ العلم يجب أن يكون علماً بتمام أجزاء الموضوع حتّى ينجّز، وأحد أجزائه هنا هو التنجيز، ولا يعقل التنجيز في الرتبة السابقة، ولكن هنا نقول: إنّ أحد أجزائه ليس هو التنجيز، بل الصلاحية للتنجيز، أي: أنّ النجاسة لو كانت حكماً تكليفياً لتنجّزت، وهذا ثابت قد تعلّق به العلم، فالعلم قد تعلّق بتمام الموضوع، فيتنجّز به الحكم، وعندئذ لو أردنا إجراء الاُصول في أطراف العلم الإجمالي لزمت المخالفة القطعيّة، فتتعارض الاُصول وتتساقط.

وأمّا بلحاظ عالم الاستصحاب، فكنّا نستشكل في الاستصحاب بأنّ استصحاب جزء


(1) هذا فيما إذا أردنا إجراء استصحاب النجاسة، ويأتي شبيه ذلك فيما إذا أردنا أن نستصحب عدم النجاسة، فاستصحاب عدم أحد جزئي الموضوع ـ أيضاً ـ إنّما ينتج على تقدير تحقّق الجزء الآخر؛ إذ لولاه لكان الحكم المقصود نفيه بالاستصحاب منتفياً على أيّ حال، والجزء الآخر في المقام هو التنجيز، والهدف من استصحاب عدم النجاسة هو التعذير، ولا معنىً للتعذير على تقدير التنجيز كما هو واضح.